رؤية السعودية تتجلى في «كاوست»
قد مر خبر على أثر قرار صدر إبان الأسبوع الماضي، وللأسف لم يهتم به إلا القلة القليلة من الشارع الكويتي، وتحديداً الوسط العلمي والأكاديمي والفني، ألا وهو تعيين رئيس جديد لجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، والمختصرة باللغة الإنكليزية بكلمة «كاوست» KAUST. الخبر ليس بالغريب إذا ما قرئ بتلك الصيغة: جامعة تعين رئيساً والسلام ختام!
ولكن في الحقيقة أن للخبر تتمة أهم بكثير من متن الخبر بعينه ألا وهو تعيين أ. د. (السير) إدوارد بايرن الأجنبي الإنكليزي ليتسلم زمام الأمور في إحدى الجامعات الأحدث تقنياً والأكثر تسارعاً في التطور التكنولوجي بالمنطقة. لم يكن بتاتاً المعيار هنا جنسية الرجل بل هو أجنبي «خواجة» لا يمت إلى واقعنا وعاداتنا بصلة البتة، ولا علاقة له بتاتاً من قريب ولا من بعيد بالجامعة، ولكن تم اختياره نظراً لمسيرته الناجحة وخبراته المتراكمة.
بايرن كان رئيساً لكل من جامعة كنغز كولدج لندن ومن قبلها لجامعة موناش الأسترالية (المرموقتين)، كما أن له تاريخاً حافلاً بالإنجازات والرؤية الفنية الدقيقة في تحويل الأفكار الإبداعية إلى واقع ملموس مع اللازم من دعم وتشجيع للبحث والتطوير العلمي، وبهذا تخطت المملكة العربية السعودية واقعاً كان ومازال جاثماً على قلوب الكثير من المؤسسات في المنطقة، خصوصاً الأكاديمية منها، بحيث يكون معيار التعيين فيها للولاءات لا للكفاءات، ويكون مقتصراً على «ربع الديوانية» فقط، لا من يستطيع أن ينهض بمؤسسة ما وينتشلها من واقع مسموم.
كما قد غلب علينا في منطقتنا أيضاً أن يكون «ولد بطنها» هو الذي يتقلد أي منصب كان، بالإضافة إلى ولائه المطلق لمن رشحه، ومن هنا تبدأ التخبطات وتتراكم المشاكل وتتقهقر الرؤى وخلافه.
بالمناسبة أقول هذا القول وأدونه هنا وأنا ممن يصنفون بهذا التصنيف (ولد بطنها ولد السور) وعليه فإن كلامي هنا قد يجعل البعض ممن حولي يحنق أو يأخذ على خاطره، لكن ضميري العلمي يحتم عليَّ أن أقول قولة الحق في هذا الموضع، وأن أصرح بأن العلم لا جنس ولا جنسية له، فمن أراد أن يجعل أحداً في موقع مسؤولية أو يعين مستشاراً أو مديراً فليبحث عن الكفاءة المطلوبة كما فعلت جارتنا المملكة العربية السعودية.
وبمناسبة هذا الحديث فهناك خفايا يستشفها المرء من وراء مثل هذه القرارات في المملكة العربية السعودية، فتعيين بايرن لا يعني شيئاً لولا تغير تام في عقلية ونهج صاحب ومتخذ القرار ذاته وتفكيره بشكل كامل. هذا أيضاً بديهي جداً بحيث لن يستطيع بايرن أن يعمل إلا مع قيادات هو شخصياً سيشرف على تعيينهم والعمل معهم، ويكون أيضا جزءاً من منظومة أشمل وأكمل ذات نهج تطويري يواكب الزمان والمكان، فتخيل أن تجلب أفضل مدرب عالمي لفريق ومنظومة رياضية مهترئة!! لن يستقيم على أثرها الحال البتة مهما كانت كفاءة ذاك المدرب وعقليته، وبهذا نستشف أن في السعودية منظومة بدأت وبشكل تام في التغيير والتطور لتتم الاستفادة بالشكل المطلوب من تلك الكفاءات للنهوض بالبلاد. نسأل الله التوفيق والسداد للمملكة العربية السعودية في الأيام القادمة.