ما سبب ارتفاع مؤشر الخوف في «وول ستريت» خلال الفوضى؟
اجتاحت أسواق الأسهم العالمية، يوم الاثنين 5 الجاري، موجة بيعية عنيفة وحالة من الفوضى، وكان الشعور بالخوف ملموساً بالفعل في مختلف الأسواق، مع مواجهة المتداولين مخاوف من حدوث ركود في الولايات المتحدة، إلى جانب تفكك تجارة الحمل أو الـ «كاري تريد بالين».
ما دفع مؤشر الخوف في وول ستريت Cboe Volatility Index المعروف اختصارًا بـ «فيكس» أعلى مستوى 65 نقطة - قبل أن يغلق تعاملات الاثنين عند حوالي 38 نقطة - في أكبر تقلبات يومية على الإطلاق، بعدما سجل 23 نقطة تقريبًا في نهاية الأسبوع السابق، ليسجل أعلى مستوياته منذ الأزمة المالية العالمية 2008، وفي أوقات انتشار وباء «كوفيد - 19» عندما قفز إلى 85.47 نقطة في مارس 2020.
ويتم حساب «فيكس» بناء على تسعير السوق لعقود الخيارات المرتبطة بمؤشر «إس آند بي 500»، وهو مصمم ليكون مقياسا للتقلبات المتوقعة على مدار الـ 30 يومًا المقبلة، وغالبًا ما يشار إليه بمقياس الخوف في «وول ستريت»، والمؤشر لا يتم تداوله فعليًا، بل هو حسبة رياضية، ولكن على النقيض من ذلك تعكس عقوده الآجلة تدفقات نقدية فعلية.
هل كان الارتفاع مبالغًا فيه؟
وعلّق وزير الخزانة الأميركي السابق، لاري سامرز، في مقابلة مع «تلفزيون بلومبرغ» بأن مؤشر التقلبات شهد تحركًا مصطنعًا إلى حد ما، بسبب إدراج بعض الأدوات المالية غير السائلة نسبيًا في حساباته، وهو ما أثار تساؤلات حول منهجية حساب المؤشر، لكن بورصة شيكاغو لم تعلق على ذلك.
وذكرت رئيسة قسم استخبارات سوق المشتقات لدى Cboe Global Markets، ماندي شو، في مقابلة مع «بلومبرغ»، أنه نظرًا للتحرك الكبير لعقود مؤشر إس آند بي الآجلة قبل افتتاح تداولات السوق في ذلك اليوم، فإن الزيادة الكبيرة المقابلة في مؤشر التقلبات ليست مفاجئة حقًا.
وأضافت أن ارتفاع «فيكس» كان مبررا بالقلق المتزايد بشأن خطر العدوى الناتج عن تراجع العملة والأسهم اليابانية وتفكك تجارة الحمل بالين أو الـ «كاري تريد».
ومع ذلك يزعم متخصصون في المشتقات المالية أن الارتفاع ربما يكون قد بالغ في تقدير المعنويات الهابطة، بسبب نقص السيولة وحقيقة أن بعض عقود الخيارات غير السائلة تدخل في حساب المؤشر.
كما أشاروا إلى فجوة سعرية استثنائية بين مؤشر التقلبات والعقود الآجلة المرتبطة به كدليل على أن مقياس الخوف لم يكن مرتبطا بواقع السوق، إذ ارتفع «فيكس» بمقدار 42 نقطة في أقل من 5 ساعات في 5 الجاري، بينما العقود الآجلة تسليم أغسطس المرتبطة بالمؤشر زادت بنحو 5 نقاط فقط في نفس الفترة الزمنية.
ووصلت الفجوة بين مستوى المؤشر والعقود إلى 32 نقطة، لكن ذلك الفارق لم يستمر كثيرًا، وفي نهاية الجلسة انكمش إلى 8 نقاط فقط، ويرى بعض مراقبي السوق أن العودة السريعة للمؤشر دليل على أن القفزة الأولية ربما بالغت في تقدير مخاوف المستثمرين.
وأوضحت شو أن المؤشر وعقوده الآجلة ارتفعا معًا أثناء الوباء، لأنه كان بمنزلة ضربة للسيولة وصدمة كلية، لكن ما حدث في الـ 5 من هذا الشهر كان متعلقًا بالسيولة ولم يكن هناك سبب أساسي أو متعلق بالاقتصاد الكلي وراء تلك الخطوة، وبالتالي لا يوجد سبب لتوقع استمرار التقلبات المرتفعة.
تفسيرات أخرى
من جهته، ذكر كبير استراتيجيي الاقتصاد الكلي لدى «أكاديمي سيكيوريتيز»، بيتر تشير، أن أي إشارات لتوقيتات السوق استخلصها المستثمرون من تلك الخطوة من المرجح أن تكون عديمة الفائدة، وأشار إلى أن مشكلات السيولة في سوق عقود الخيارات ربما شوهت قراءات المؤشر.
ويرى فريق «بنك أوف أميركا» أن بعض الصفقات المتعلقة بخيارات «إس آند بي 500» غير السائلة التي تنفذ بأسعار مختلفة عن التداولات الراهنة في السوق ربما كان لها تأثير كبير على الفارق بين العرض والطلب عبر سلسلة الخيارات، لأنه يتم تحديد مستوى مؤشر التقلبات عبر صيغة رياضية تعتمد على فروق العرض والطلب لخيارات «إس آند بي» التي تنتهي صلاحيتها بين 23 و37 يومًا.
وتعرف خيارات الشراء بأنها بمنزلة اتفاق لشراء سهم بسعر متفق عليه قبل انتهاء تاريخ محدد، وتمثّل توقعات صعودية من جانب من يحمل الخيار، وبالمثل، فإن خيارات البيع هي اتفاق لبيع سهم ما قبل انتهاء صلاحية الخيارات المحددة مسبقًا، ويمكن استخدامها للتحوط ضد الخسائر في المحافظ الاستثمارية، وقد تمثّل أيضًا رهانات هبوطية.
أما عقود الخيارات التي تتم خارج نطاق أسعار السوق out of the money، فهي التي يكون سعر تنفيذها في حالة الشراء أقل من المستوى الذي يتداول في السوق حاليًا، و/أو أعلى من السعر الحالي في حالة البيع.
استعادت سوق الأسهم الأميركية واليابانية خسائرها أخيرا بعد التراجع الكبير، وبالفعل تشير حاليًا أغلب مؤشرات السوق إلى عودة الهدوء للأسهم الأميركية بعد الفوضى الأخيرة، ويتداول مؤشر «فيكس» في الوقت الراهن قرب 18 نقطة.
ووفقًا لما ذكره رئيس الأبحاث لدى «فاندستارت»، توم لي، في مذكرة، فإن الزيادة التاريخية والانحدار اللاحق لمقياس الخوف في وول ستريت يشير إلى أن أسوأ ما في مخاوف سوق الأوراق المالية بشأن النمو قد انتهى.
وذكر لي في مقابلة مع «سي إن بي سي» حينها: عليك مراقبة «فيكس»، فعندما يصل إلى ذروته ويبدأ في الانقلاب والهبوط، يمكن أن يكون التعافي سريعًا بنفس القدر.
وأشار محللو «بنك أوف أميركا» إلى أن حقيقة عدم رؤية المستثمرين لانخفاض فعلي تعني أن الأسهم ربما تكون عرضة لمزيد من التقلبات في الأسابيع المقبلة.
أما عن شهري سبتمبر وأكتوبر المقبلين اللذين يشهدان تقلبات في المعتاد، فقد يثبتان مرة أخرى هذا العام أنهما يمثلان فترة صعبة بالنسبة للأسواق.