تاريخ الكويت مثل تاريخ العرب والمسلمين، تعرّض لعبث دائم ومستمر بكل ذلك التاريخ لأغراض وغايات خبيثة أو مريضة.
فالغرب وقد هالته عظمة الإسلام وما أحدثه من تطور وحضارة متقدمة تعتبر نبراساً للإنسانية، تحركت عنده غرائز الحقد والعدائية للعرب والمسلمين في آن واحد، كيف لا وهم قد شهدوا ذلك الاقتران الفريد بين العروبة والإسلام، وهو ما وفّر لشعوب هذا الدين المحضن والحصن والمحتوى المتميز، الذي يرتقي بالإنسان يوماً تلو الآخر؟!
ففي كنف الدولة الإسلامية، بمختلف مراحلها، عاش الناس بكرامة وطمأنينة وأمان وحرية شخصية ومجتمعية غير مسبوقة، ونعموا بعيش رغيد وعمل كريم ومنتج، وتضامن وتراحم مجتمعي، للكبار فيه وقار والصغار لهم احترام، النساء والرجال متكافئون، والمواطنة جوهرها أداء الواجبات وتحمّل الأعباء وأمانة الأداء وصدق الولاء والانتماء، والقيم فيه متجذرة ومتنامية، الأخلاق النبيلة مرجعية المفاضلة، والعدالة والإنصاف والمساواة سلوكيات نظامية واعتيادية، الشجاعة سمة بارزة والتضحية صنوانها، والمنطلقات عقائدية حضارية إنسانية بلا إكراه أو قهر للناس أو الأمم.
وقد أذهل الغرب كل ذلك، فحمل حقده التاريخي وكراهيته الدفينة، فظاهر العرب والمسلمين في دولتهم الإسلامية بالود والتعايش والتقارب، وبالباطن الحقد والكيد وتحيُّن الفرص.
وقد مثلت حالة التشرذم الواسعة في الدولة الأموية بالأندلس في حقبة (أمراء الطوائف)، مرحلة إظهار الغرب وجهه القبيح المتوحش الذي يسعى للقضاء على كل مسلم وكل عربي، وقد كانت الحروب الصليبية مرحلة في ذلك المسار، عبوراً للتآمر واقتسام «الرجل المريض» (الدولة العثمانية)، فكانت مرحلة الغرب السانحة لضرب المسلمين والعرب وتمزيقهم وتشويه صورتهم وتزييف تاريخهم، وقد كان لهم هذا!
فمنذ أكثر من مئة وخمسين عاماً، وبعد أن تصالح الغرب مع نفسه وأقام دوله وقدراته الهائلة عسكرياً وعلمياً وجغرافياً، انقضّ على العرب والمسلمين انقضاضاً بهائمياً شرساً، فسيطر على الأمم والشعوب وثرواتها، وقام بفصلها عن تراثها وتاريخها وحضاراتها، وأقام مؤسسات وجامعات وشخصيات بين ظهرانينا تكون ظهيراً له ومبشراً به ومدبراً لكل ما يرغب فيه، وهو بلاء الأمة العربية والإسلامية منذ مئة وخمسين عاماً.
فتمت إعادة كتابة تاريخنا لنا، بزعم الوثائق والمستندات والدراسات العلمية، والحقيقة كانت بطمس تاريخنا وتغيير وقائعه ووثائقه، وإبراز الهزيل منه، ليتمكن من أن يباعد بيننا وبين عقيدتنا وهويتنا وتاريخنا وحضارتنا! وقد كان له ذلك، وانقاد له وتابعه قيادات فكرية وثقافية قام بتربيتها وإعدادها، أو اختار لها مسلكاً علمياً خاطئاً، أو استسلمت له تحت وطأة الانبهار والضعف، فكافأها بالشهادات والجوائز والتقدير، فصارت رهينة له ومبشّرة بما عنده وخلقت حالة (الغربة الداخلية والتنكر للأصالة والتاريخ والدين والحضارة)، فصار قوامها هشّاً، وكذلك قوام الدول متمثلاً بقادتها الفكرية أو الثقافية أو الأدبية، ونجح الغرب في أن يجعلنا نسلك هذا المسار الذي أردانا للدرك الأسفل في الإنسانية والأنظمة، فصارت أخلاقنا وقيمنا ومسالكنا متنكرة لأسس قوتنا ومكامن تقدّمنا وكنوز وذخائر تاريخنا وحضارتنا، وتحولنا لتبع وإمّعات وأدوات يديرها كيف يشاء، وهي الحال التي غدت عليها القيادات السياسية والمجاميع الشبابية والشعبية، بل وحتى الشخصيات الوطنية، فصرنا إلى ضعف يورث ضعفاً محتوماً، وهو ما نعانيه اليوم وحاضر فينا!
مناهجنا لا تحاول بناء الشخصية العربية الإسلامية القويمة، ولا اعتماد مرجعيات أصيلة، وتجنح لنماذج وأمثلة للغرب وشخصياته، مع طمس العلماء والمبتكرين والمفكرين والشخصيات العربية والمسلمة الفذة الذين هم أساس صنع المجتمع الغربي وتفوقه.
وأيم الله إنه لانفصام مريع ومخيف يستوجب أن نشرع إلى التغيير الحقيقي بالعودة إلى الأصالة والحضارة والهوية والقيم والأخلاق التي تميّزنا، بإعادة كتابة التاريخ واستنطاق أحداثه ووقائعه وشخصياته.
وقد نال الكويت نصيب وافر من ذلك، فتوارت فيها قيم الصدق والأمانة والعفوية والتسامح والاعتدال والثقة والتكافل والتراحم، بعد أن دخلت عليها سلوكيات مستجدة طارئة انتهازية متهافتة، اعتبرت الكويت كنزاً وغنيمة، والجنسية مدخلاً للانقضاض والأكل بغير المعروف، فتعالت شخصيات هشّة، وصار الطرح منحرفاً بالعطايا والمزايا والاقتسام، فتلاشت الأمانة والبذل وتقديم الحقوق على الواجبات لبناء الوطن! وصار العلم ورقة والوظيفة مرتعاً والدولة وأموالها مستباحة! وجاءت في ثناياها عملية تزوير لتاريخ البلد وأهله ومكوناته ولحقه تشويه بشع ومقيت.
ومع العوامل العامة التي أصابت العالمين العربي والإسلامي تقهقرت - أيضاً - الكويت، ووصلت إلى ما هي عليه اليوم.
لقد حانت اللحظة التاريخية لإعادة كتابة تاريخ البلد وتنقيته من الشوائب والعبث بوقائعه وحقائقه، تماماً كما هي خطوة لإعادة كتابة تاريخنا العربي والإسلامي.