ذهبت إلى داره صباح يوم حافل بالنشاط بمنطقة الأشرفية في بيروت، جلسنا نتحدث عن الرسومات التي أنتجها من وحي الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني في غزة على يد الاحتلال الإسرائيلي.

استبقني بالسؤال عن الغاية من وراء طبع كتاب يحتوي على 135 لوحة والمعرض الذي ينوي إقامته، قائلاً: ريع هذا الكتاب الذي سيصدر قريباً سيعود إلى «صندوق غسان أبوستة للأطفال».

أول لوحة خرجت إلى النور كانت يوم 7 أكتوبر 2023 مع «طوفان الأقصى»، ووصلت إلى 135 لوحة، أشبه بيوميات الحرب «عصارة تجربة إنسانية بوصلتها الأخلاقية فلسطين».

عندما التقاه د. غسان أبوستة أجابه «قيمة أعمالك الفنية تكمن بمعرفة الناس والرأي العام كيف أن الغرب ينتهك حقوقنا». وبوضوح تام، تحدث عن الدائرة التي يخصها بأعماله الفنية، قال «مشكلتي مع الصهيونية والاحتلال، لا مع اليهود».

من الأعمال المعروضة

Ad

أرض البرتقال الحزين

أول لوحة تطالعك بالكتاب الذي سيصدر قريباً استوحاها من رواية غسان كنفاني «فلسطين أرض البرتقال الحزين». يرافقك في كل اللوحات شخصية المينوتور، الذي اختاره معوض ليكون أيقونته أينما ذهب، حيث تجده أمامك بأشكال مختلفة، غاضباً، صامتاً، منتقداً، هذه الشخصية منذ أيام الإغريق تمثل نصف إنسان ونصف حيوان بجسد واحد. سيعود ريع الكتاب كاملاً إلى «منظمة غسان أبوستة للطفولة».

تستهل محررة النسخة الإنكليزية، مليسا عجميان، الأرمنية الأصل، والتي ترتبط بتاريخ مشترك مع الشعب الفلسطيني بالمعاناة والتشريد والإبادة الجماعية، وفوق هذا «السعي لتحقيق العدالة»، فقد تقاسم الأرمن والفلسطينيون على السواء صدمة هائلة من الواقع المأساوي للتشرد والخسارة، وهي كمواطنة عالمية ترى أن من واجبها أن تستجيب للنداء من أجل العدالة لفلسطين.

مجتمع بلا ضمير

مقدمة الكتاب الذي اطلعت عليه «Draft» بقلم بول أشقر، إلى جانب لوحة رسمها الفنان معوض بعنوان Black List فيها: روسيا - داعش - بوكو حرام - إسرائيل، وبتوقيع الأمم المتحدة.. كلمة المؤلف استعارها من كلام لجدعون ليفي نشرها في صحيفة هآرتس، هل يستطيع مجتمع أن يكون بدون ضمير؟ وهل تستطيع دولة أن تعمل بعد استئصاله؟ وهل الضمير عضو حيوي من الممكن العيش بدونه، أسئلة يجب أن يسألها كل إسرائيلي، بعد أن خضعت البلاد لاستئصال ضميرها؟ اختار شخصية المينوتور، ذاك الكائن الأسطوري اليوناني، وحشاً برأس ثور وجسم رجل مسجون في متاهة مظلمة تحت الأرض بجزيرة كريت في بحر إيجه.

استكشف الفنان سليم معوض فنياً «المينوتور» لأكثر من عقد، ليمثل من وجهة نظره «عالمية حقوق الإنسان» من جهة، وانعدام الإرادة السياسية من جهة أخرى.

رافق «المونيتور» رحلته، حيث نما وتطور، ليرمز فنياً إلى تعقيدات المبادئ وتطبيق المفاهيم اللصيقة بحقوق الإنسان بدأت القصة منذ حملات الإبادة الجماعية في رواندا وبوروندي والكونغو، إلى أن جاءت أحداث طوفان الأقصى، ليستعيره مجدداً بتصوير الإبادة الجماعية وجريمة الحرب ضد الإنسانية التي أقدمت عليها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، حيث كثرت المبررات الدولية لتجاهل إسرائيل حياة الفلسطيني والقيم الإنسانية.

من الأعمال المعروضة

فن الاحتجاج

يطرح السؤال الدائم، لماذا فن الاحتجاج، ويجيب عنه على لسان رئيس قسم العلوم السياسية الأستاذ في جامعة كاليفورنيا، ليمان شافي، أن فن الاحتجاج من الأعمال الإبداعية التي ينتجها النشطاء، وتخلق فرصاً جديدة للمعارضة.. ثم يشرح بمزيد من التوضيح، أنه في خضم غوغاء التطرف الغربي المنحاز لإسرائيل، ينجح الفن السردي الاحتجاجي الساخر في تحدي السرديات المهيمنة والمجحفة بحق الفلسطينيين.

وبعد أن قدّم جوانب من البيئة الأسرية والمناطقية «ابن مدينة زغرتا» التي عاش فيها وكانت معادية للفلسطينيين، قرر بعد المراجعة والتحقيق الذاتي والتصالح بين عقله وقلبه معلناً «أنا مؤيد للفلسطينيين، لأنني مؤيد للإنسان».

أطفال غزة

استفاق يوم 7 أكتوبر 2023 ليتابع ما جرى في غزة، نبش رسماً قديماً من مجموعته وبدأ في تحويله، والرسم الأصلي يصور الكوفية والبرتقالة، مستوحاة من عنوان كتاب لغسان كنفاني عام 1962 «فلسطيني أرض البرتقال الحزين»، واستبدلها بـ «أرض البرتقال الفرح»، وبدون وعي شعر أن تغيير الرسم لم يتم بعد، لذلك أضاف «فلسطين تقاوم».

من ذاك اليوم راح في رسم المعاناة اليومية لسكان غزة، نتيجة الفظائع التي شرعت بارتكابها إسرائيل، راعه التناقض الصارخ بين الإنسان الممزق وجمود الحيوان المدمى، قام بفحص البشرية، شاهد كيف يحوم الذباب ويطنّ فوق الكائنين وحولهما، غارقين كلاهما في بركة دم واحدة، شعر بالكراهية تجاه الإنسانية وأعرافها وقوانينها.

المشهد الذي أثاره واستفز عقله.. «انظر عن كثب.. أطفال غير مدفونين في غزة» رافقه السؤال.. ماذا حل بالقيم الإنسانية مع احتدام الحرب ومعها وحشية إسرائيل وتواطؤ المجتمع الدولي وعدم اكتراثه بشعب غزة وعدم احترام المعايير والقوانين العالمية لحقوق الإنسان؟ هنا تشابكت في ذهنه «الجثث غير المدفونة» بـ «القيم غير المدفونة» وفي رقصة مجنونة على إيقاع القصف والتدمير.

جانب من الاعمال

الرسم الاحتجاجي

وبعد أن طلع صباح اليوم التالي، ثم اليوم التالي، قرر توثيق جرائم الصهيونية مستعيناً بالرسم الاحتجاجي داعماً وتأييداً لكل ويل يقع على فلسطين وشعبها، ويظهر أحقية مقاومتها. هذا العمل للفنان معوض عبارة عن عصارة تجربة إنسانية خالصة، بوصلته الأخلاقية فلسطين.

أنجز 135 لوحة منذ اليوم الأول «لطوفان الأقصى»، وصارت اللوحات أشبه بيوميات الحرب، فقد أرفق كل لوحة بتاريخ اليوم الذي رسمت فيه، مع شرح باللغتين الإنكليزية والعربية، ودعمها بفقرة أو بجملة ذات علاقة بخرق وتجاوز إسرائيل لكل المواثيق والقوانين والأعراف الدولية، فقد مسحت تلك القوانين بالجرائم التي ارتكبتها من دون أن تحاسب على فعلتها، وبالتواطؤ مع الغرب.

تعريفات قانونية

استعان معوض بخبرته في القانون الدولي، وأورد جملة تعريفات قانونية من شأنها تعريف الرأي العام بهذا القانون والخرق المتعمد الذي مارسته دولة الاحتلال، ليبين من هو مجرم الحرب وما هي الإبادة الجماعية، وماذا تعني جرائم ضد الإنسانية، وما هي جرائم الحرب والتطهير العرقي، والقتل خارج نطاق القضاء، والاغتيال المستهدف، والفصل العنصري والقانون الإنساني الدولي، مع قائمة بالمراجع والمصادر التي اعتمد عليها.