وسط ترقّب دولي وإقليمي واسع لإمكانية إحداث حلحلة دبلوماسية لتخفيف الكارثة الإنسانية في قطاع غزة الفلسطيني وتنفيس خطر انفجار التوتر بين الدولة العبرية وإيران وحلفائها من جهة أخرى، انطلقت في الدوحة، أمس، جولة جديدة من التفاوض حول صفقة تتضمن تبادل إطلاق سراح أسرى ومحتجزين وإقرار هدنة بوساطة قطرية وأميركية ومصرية.

وفيما ذكرت أوساط مطلعة أن مفاوضات الدوحة التي تأتي في ظل لحظة إقليمية محورية ستستمر يومين، تحدث البيت الأبيض، أمس، عن بداية مشجعة للمفاوضات، داعياً في الوقت نفسه إلى تنازلات متبادلة من إسرائيل و»حماس» للوصول الى اتفاق.

Ad

وأشار المتحدث باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض، جون كيربي، الى أن الفجوات بين إسرائيل و»حماس» تتعلق بإجراءات تنفيذ الاتفاق، وأنه يمكن تضييق هذه الفجوات لتحقيق اختراق.

جاء ذلك بعد ساعات من كشف مصادر أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وسّع التفويض الممنوح لفريق التفاوض رفيع المستوى قليلاً، بطريقة تمكنه من إجراء مباحثات، رغم أنهم أشاروا إلى أن التفويض قد لا يكون كافياً لإبرام صفقة.

وقال أحد المصادر: «لقد حصلنا على بعض المساحة الضئيلة للمناورة. إنه شيء للبدء به، لكنه قد لا يكون كافياً». على النقيض من ذلك، ذكرت هيئة البث الرسمية أن نتنياهو أعطى الفريق الذي يقوده رئيس «الموساد» دافيد برنياع ورئيس «الشاباك» رونين بار، ويضم كبير مستشاري رئيس الوزراء نيتسان ألون «مساحة معقولة»، فيما وصفت «هآرتس» والقناة 13 التفويض بأنه «مرن بما يكفي بشأن القضايا الأساسية بشكل يتيح تحقيق تقدم».

ترقّب «حماس»

على الجهة المقابلة، ذكر مصدر في «حماس» أن الحركة «ستراقب وتتابع سير جولة التفاوض، وإذا كان مسار المفاوضات جدياً من جانب الاحتلال ومجدٍ لتنفيذ الاقتراح الأخير، أم أنه استمرار للمماطلة التي يتبعها نتنياهو في الجولات الماضية من المفاوضات غير المباشرة بين الجانبين.

وقال مصدر آخر، إن «حماس معنية بوقف الحرب والتوصل إلى صفقة واتفاق لوقف إطلاق النار على أساس الاقتراح الذي قُدّم في يوليو الماضي»، في إشارة إلى الاقتراح الذي أعلنه الرئيس الأميركي جو بايدن، وينصّ على 3 مراحل تشمل وقفاً لإطلاق النار وانسحاباً للقوات الإسرائيلية من المناطق المأهولة في غزة، وإدخال مساعدات وإطلاق معتقلين فلسطينيين من السجون الإسرائيلية.

رسالة وزيارة

وبالتزامن مع وصول رئيس جهاز الاستخبارات الأميركية، وليام بيرنز، إلى الدوحة للمشاركة في المفاوضات، أجرى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ورئيس الوزراء القطري محمد بن عبدالرحمن مشاورات حول الوضع في المنطقة.

وقالت «الخارجية» الأميركية، إن بلينكن أجرى سلسلة اتصالات مع قادة أجانب، ووجّه «رسالة واضحة» بشأن «الأهمية الحيوية» لوقف إطلاق النار في غزة.

ترامب على الخط؟!

ومع استمرار جهود إدارة الرئيس الأميركي الديموقراطي لاحتواء التصعيد الإقليمي وإنهاء أزمة غزة، برز أمس تقرير لموقع أكسيوس نقل عن مصدرين أميركيين القول إن مرشح الحزب الجمهوري لرئاسة الولايات المتحدة، دونالد ترامب، تحدث هاتفياً مع نتنياهو، وتناولا مسألة اتفاق وقف إطلاق النار بغزة وإطلاق الرهائن.

وقال مصدر لـ «أكسيوس»، إن مكالمة ترامب كان الهدف منها تشجيع نتنياهو على قبول الاتفاق، لكنه قال إنه لا يعرف ما إذا كان هذا هو ما قاله الرئيس السابق لرئيس الوزراء بالفعل. ونفى نتنياهو صحة ما ورد في التقرير قائلاً إنه لم يتحدث مع ترامب.

أقصى الممكن

وبينما تسارع الإدارة الأميركية لإعادة مفاوضات وقف إطلاق النار إلى مسارها، قال عدد متزايد من المسؤولين الأمنيين الأميركيين إن الجيش الإسرائيلي لن يتمكن أبداً من القضاء على «حماس» بشكل كامل.

وحققت إسرائيل كل ما في وسعها عسكرياً بغزة، وفق ما قاله مسؤولون أميركيون كبار لصحيفة نيويورك تايمز أمس. وأضافوا أن استمرار القصف لا يؤدي إلا إلى زيادة مخاطر مقتل المدنيين، بينما تضاءلت إمكانية زيادة إضعاف الحركة. ويشكو المسؤولون الحاليون والسابقون في «البنتاغون» من أن إسرائيل لم تثبت بعد قدرتها على تأمين جميع مناطق غزة التي سيطرت عليها، خاصة بعد انسحاب قواتها.

السنوار والضيف

في السياق، نفى القيادي في «حماس»، أسامة حمدان، وجود «صعوبة في التواصل مع قيادة الحركة، وعلى رأسها رئيسها الجديد يحيى السنوار»، واتهم إسرائيل بتكثيف هجماتها على قادة «حماس» بعد أن «وافقت الحركة من حيث المبدأ على الاقتراح الأخير لوقف إطلاق النار».

وفي وقت سابق، نفى حمدان أن يكون قائد الجناح العسكري للحركة، محمد الضيف، قد قتل في قصف على خان يونس، رغم التأكيدات الإسرائيلية.

عباس

من ناحيته، قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في كلمة أمام البرلمان التركي، أمس، إن «غزة لن تكون إلا جزءاً من الدولة الفلسطينية»، وأنه «لا دولة في غزة ولا دولة من دونها».

رأى عباس، القادم إلى تركيا من موسكو، حيث التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إن «الوحدة الوطنية أقصر طريق لتحقيق الانتصار على هذا العدو الذي يتربص بنا ويستهدفنا جميعاً، وحدتنا تحت راية منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد هي صمام أماننا وطريقنا إلى الاستقلال».

كما أشاد عباس بالمساعدات التي قدّمتها تركيا، وبمواقف مصر والأردن «الرافضة لمخططات التهجير الإسرائيلية المتوافقة مع مواقفنا والداعمة لنا في كل المحافل الدولية».

وتابع عباس: «أعلن أمامكم وأمام العالم أنني قررت التوجه مع جميع القيادة الفلسطينية إلى غزة، أدعو مجلس الأمن لتأمين وصولنا إلى القطاع، وستكون وجهتي المقبلة هي القدس الشريف، عاصمتنا الأبدية».

وأضاف: «أدعو قادة الدول العربية والإسلامية والأمين العام للأمم المتحدة والدول الصديقة إلى المشاركة في الزيارة لوقف العدوان الإسرائيلي».

وقال: «إننا نتبنى المقاومة السلمية ضد الاحتلال، لأن إمكاناتنا لا تسمح بأكثر من ذلك».

معارك وتواصل

ميدانياً، واصلت إسرائيل عملياتها العسكرية في عموم مناطق غزة، إذ أعلن جيش الاحتلال أنه قتل 20 مسلحاً خلال تفكيك بنية تحتية لـ «حماس».

من جهتها، أعلنت السلطات الصحة بالقطاع أن «العدوان الإسرائيلي أودى بحياة أكثر من 40 ألف شخص»، منذ 7 أكتوبر الماضي، فيما وصفت «هارتس» الحرب بأنها «مجزرة القرن».

وفي تطور ذي صلة، أكد الناطق باسم «كتائب القسام» أبو عبيدة، أنه «بعد التحقيق في مقتل أسير إسرائيلي على يد حارسه، تبين أن المجند تصرّف بشكل انتقامي، خلافاً للتعليمات، بعد استشهاد طفليه»، مشيراً إلى أن «الحادثة لا تمثّل أخلاقياتنا وتعاليم ديننا في التعامل مع الأسرى، وسنشدد في التعليمات بعد تكرار الحادثة في حالتين حتى الآن». وحمل أبو عبيدة «العدو المسؤولية الكاملة عن كل ما يتعرّض له أسراه من معاناة ومخاطر، نتيجة كسره لكل قواعد التعامل الإنساني والبشري وممارسته للإبادة الوحشية ضد شعبنا».

وفي الضفة الغربية المحتلة، قُتل فلسطينيان وأصيب 7 في غارة بطائرة مسيرة للجيش الإسرائيلي على مخيم بلاطة للاجئين بالقرب من مدينة نابلس.