لا أذكر أن الحكومات الكويتية المتعاقبة تناولت ظاهرة العمالة السائبة، أو ركزت على البدء بمحاسبة تجار الإقامات، كما تناولته حكومة سمو الشيخ أحمد العبدالله.
هل كان تجاهل هذه الظاهرة الخطيرة من قبل تلك الحكومات بسبب تراكم تركة الحكومات التي سبقتها، وأولوياتها التي تخطت ظاهرة تجار الإقامات؟ أم أن تراكم قضايا الفساد أمامها دفع بظاهرة تجار الإقامات إلى ذيل قائمة الأولويات؟ أم أن المتنفذين كانوا يتحكمون بمسار أولويات تلك الحكومات، فأهملت تجارة الإقامات حتى وصلنا إلى اليوم الذي أزكمت هذه الظاهرة الأنوف، ولم يعد السكوت عنها أمراً محموداً؟ هل هو عهد الحزم الذي ساوى بين قضايا الفساد والظواهر السلبية المطروحة أمام الأجهزة الحكومية المعنية، حتى صار لظاهرة تجارة الإقامات أهمية لإيجاد حل جذري لها؟
أياً كانت الأسباب والمبررات، فإن الكويت تكاد تكون الدولة الوحيدة في العالم التي تستورد عمالة غير منتجة أبداً، فيقوم تجار الإقامات برمي الآلاف منهم على قارعة الطريق، لكي يدبروا أمورهم بأنفسهم، بدلاً من تشغيلهم في مشاريع منتجة، تنفيذاً لبنود المناقصات التي منحت لتجار مزيفين صاروا كالمنشار يربحون الملايين من الدنانير من المناقصات ومن فرض الإتاوات على العمالة نفسها مقابل عقود عمل مزيفة أو وهمية.
ولنأخذ الولايات المتحدة الأميركية كمثال على كيفية التعامل مع عمالتها الوافدة، وهي الدولة العظمى الكبيرة من حيث المساحة وعدد السكان، ورغم ذلك تشدد في هذا الجانب، إذ لا يمكن أن تمنح فيزا لأي شخص، حتى لو كان بغرض السياحة، إلا بعد أن يثبت أنه حجز تذكرة السفر والفندق وحدد مدة الزيارة والتعهّد بعدم محاولة البحث عن عمل في الولايات المتحدة، حتى لا يغرّم أو يُسجن.
وللعلم، فإن غالبية دول العالم تتبع مثل هذه الإجراءات المتبعة في الدول المتقدمة والقوية حفاظاً على أمن واستقرار بلدانهم أولاً، وعدم خلخلة التركيبة السكانية ثانياً، إلا دولة الكويت التي تطبق مبدأ «يا جبل ما يهزّك ريح»، بعد أن تركت ساحتها سائبة لهذه الظاهرة الخطيرة، ولسان حال تاجر الإقامات يردد «اسمحوا للعامل السائب يرتع ويلعب، وإنا له لحافظون»!
والأدهى والأمرّ أننا لا نستحي من أن نتحدث عن «خمال» بعض أجهزة الدولة المعنية بالعمالة الوافدة، فنتفنن في إطلاق المصطلحات الفنية على هذه الفئة من العمالة فنقول «عمالة سائبة»، وهو تعبير مخفف من مصطلح «عمالة ضالة» تركها كفلاؤها على قارعة الطرقات من دون رعاية أو اهتمام، ومن دون أن يجيب أي منا عن السؤال الأزلي: كيف لدولة بكامل أجهزتها وبمواردها البشرية وبخبراتها ومستشاريها تستورد عمالة لا فائدة تُرجى منها، ثم ترمى بالشارع؟ بل إن ضررها أكثر من نفعها، لأنها تسبب اختناقات الشوارع وازدحامات في المستشفيات والمراكز الصحية، ثم تقوم هذه العمالة بتحويل مواردها المالية إلى موطنها الأصلي من دون أن تستفيد الكويت منهم.
الغريب في الأمر أنه طوال العقود الماضية التي فاضت بشكاوى المواطنين من كثرة العمالة السائبة وتكاثرت معها المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، لم تقم حكومة واحدة من حكوماتنا المتعاقبة بالتركيز على محاسبة تاجر الإقامات، وهو المتسبب الرئيسي بهذه المشكلة، التي أضحت ظاهرة تؤرق المهتمين بالأمن القومي، بدلاً من محاسبة العامل نفسه، الذي يتم إلقاء القبض عليه وإبعاده عن البلاد، ليقوم تاجر الإقامات بجلب قائمة جديدة من العمالة السائبة.
فبدلاً من التخلص من رأس الأفعى (تاجر الإقامات) يقوم المسؤولون بقطع ذيلها. ويبدو أن الفرج آتٍ على يد الحكومة الحالية، التي بدأت بجمع شتات شجاعتها والتقاط أشلاء جرأتها لتضع يدها في «عش الدبابير» وإعداد قائمة سوداء لتجار الإقامات، فهل تواصل حكومة سمو الشيخ أحمد العبدالله شجاعتها وجرأتها؟ نتمنى ذلك.