رغم أن القراءة نشاط فردي بامتياز في أغلب حالاتها فإنها تكون غير ذلك حينما يتوحد القارئ مع بعض الكتب ويعيش مع أحداثها وشخوصها وكأنه أحدها، فتجده يتفاعل مع الشخصيات فيصطف مع بعضهم ضد بعضهم الآخر، وتندمج مشاعره مع أحداث الكتاب حين تكون رواية.

مشكلة الكتاب أنه يتفاعل معه كل شخص بطريقته الخاصة تمامًا كما يتفاعلون مع أي أمر آخر، فيحبه بعضهم ويكرهه آخرون، وتتجاهله شريحة اجتماعية، في حين تقبل عليه أخرى، كل ذلك اعتماداً على عدة عوامل مهما كتبنا وحللنا أسبابها فإننا قد لا نصل إلى نتيجة أبدًا سوى أن هناك اختلافًا حولها، بل إن كتابًا واحدًا قد تتغير المواقف تجاهه حسب الفترة الزمنية التي ينشر فيها، إذ قد يترافق ذلك مع حدث يسنده ويثبت صحة ما ذهب إليه حتى ليبدو وكأنه الكتاب المناسب في الوقت المناسب.

Ad

وربما كان كتاب (1984) هو أفضل مثال لانتشار كتاب وشهرته بعد سنوات طويلة من طباعته، وذلك حين طرأت أحداث سياسية تناغمت معه، وكأنه كتاب تنبؤات حقيقية، وهو ما حصل بسبب تأثر بعض القراء بآخرين مما شكل تموجات أسند بعضها بعضا وأسهم في بروز ذلك الكتاب بمساعدة الظروف السياسية، مما عزز فكرة كون القراءة نشاطا جماعيا.

تتجاوز القراءة كونها نشاطًا فرديًّا حين يتناغم القارئ مع قرّاء آخرين في جانب آخر ربما من الكرة الأرضية وهم يقرؤون الكتاب نفسه.

وما عزَّز هذه الحالة وجود وسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة، وتفاعل القراء من بقاع متنوعة من العالم مع كتاب ما حتى كأنهم يقومون بقراءة جماعية له في مكان واحد، وعن ذلك قال مؤلف كتاب مكتبة منتصف الليل (مات هيغ): بالنسبة لي، لم تكن القراءة أبدًا نشاطًا فرديًّا، بل كانت نشاطًا اجتماعيًّا بشكل عميق، لقد كانت أحد أغنى أنواع الاختلاط بالآخرين، إنها علاقة عميقة تبنى بينك وبين خيال إنسان آخر.

اقرا لتبقى في السماء محلقا

طيراً على كتف الملاك معتقا

الشاعر محمد الأمين جوب