من صيد الخاطر: عمر الفاروق لمَن لا يعرفه
إنه عمر بن الخطاب لمَن لا يعرفه، رغم أننا نشك في أن هناك مَنْ لا يعرف فضله وتأثيره على تاريخ أمتنا العربية والإسلامية، والعالم أجمع. عمر رجل الدولة الذي لا يزال اسمه، وسيظل، ملء القلب والضمير الإنساني إلى يوم الدّين، ومَنْ أنكر فضله فقد جَحَد وأنكر حقائق التاريخ والدّين.
إنه أبوحفص عمر بن الخطاب العدوي القرشي، لُقِّب بالفاروق لما اشتهر به من عدل وإنصاف للمسلمين ولغير المسلمين من المظالم، ولتفريقه بين الحق والباطل. جمع المجد من كل أطرافه، فهو الصحابي الجليل، وأحد العشرة المبشّرين بالجنة، والخليفة الثاني، وأكثر وأشهر القادة تأثيراً ونفوذاً في التاريخ العربي والإسلامي والعالمي.
بدأت الدولة العربية الإسلامية وتوسَّعت في عهد الفاروق، فشملت العراق ومصر وليبيا وبلاد الشام، بما فيها القدس، وكل بلاد فارس وخراسان، وشرق الأناضول وجنوب أرمينية وسجستان، فكان له الفضل، بعد الله، في دخول تلك البلاد بالإسلام، وفي عهده، رضي الله عنه وأرضاه، استوعبت دولته كل أراضي الإمبراطورية الفارسية الساسانية، ونحو ثلثيّ أراضي الإمبراطورية البيزنطية.
عمر بن الخطاب رجل دولة، وذو عبقرية عسكرية تكشَّفت من خلال تخطيطه لحملاته المتعددة التي وجّهها لإخضاع الفرس تحديداً الذين فاقوا العرب الفاتحين عدداً وعدةً، فتم له فتح كل امبراطوريتهم خلال أقل من سنتين، وبحنكته السياسية والإدارية تمكَّن من الحفاظ على تماسك ووحدة دولته، التي تزايدت أضعافاً مضاعفةً، مساحةً وسكاناً، وتعدداً في الأعراق، رغم فترة حُكمه القصيرة نسبياً.
الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي، الذي اعتنق الإسلام عام 1982، قال، وهو مُحق في قوله: «بعيداً عن المماحكات الطائفية والعنصرية، وإحقاقاً للسجل التاريخي لعظماء القادة، لماذا لا يحتفل المسلمون كل عام بتولي عمر بن الخطاب الخلافة في 23/ 8/ 634م، الموافق للثاني والعشرين من جمادى الآخرة سنة 13 للهجرة؟».
فعمر هو مؤسس الدولة العربية الإسلامية الأولى، وواضع قواعدها، وباني هياكلها الإدارية والمالية والإنسانية والعسكرية، وهو أول مَنْ نُودي بلقب «أمير المؤمنين»، وأول مَنْ اتخذ الهجرة مبدأ للتاريخ الإسلامي، وهو مَنْ قام بإنشاء المدن الجديدة، فبُنيت في عهده مدينتا البصرة والكوفة وغيرهما.
وهو مَنْ ثبَّت بفتوحاته عروبة كل العراق وكل بلاد الشام وكل شمال إفريقيا المسكونة قبل فتحها بالقبائل العربية المهاجرة من اليمن، ومنهم الدروز والفينيقيون، فهم من ذرّية الهجرات اليمنية الثلاث القديمة منذ آلاف السنين، بعد أن حرَّرها من الاحتلالين الفارسي والبيزنطي.
عمر الفاروق رجل دولة ومؤسس لأمة امتدت حدودها وتأثيرها لغة وأحرفاً وعلماً وحضارة من الحدود الصينية والروسية شرقاً إلى إسبانيا وأطراف من غرب فرنسا، رجل قائمة إنجازاته طويلة جداً يجب ألا ينساها أو يتغافل عنها مَنْ كان فضل عمر عليه وعلى أمته.
عمر يستحق أن تُقام له جداريات، وأن تُدَّرس سيرته وإنجازاته، خصوصاً في الدول التي كان له فضل دخولها إلى الإسلام، وأولها إيران، فهي أول مَنْ تشرَّفت بفتوحاته.