يتساءل أحد الإخوة بنبرة استغراب: هل أصبحت حكومياً فجأة؟! فاستعرضنا معه أحداثاً كان حاضراً إياها في السابق، فالبرغم من مواجهتنا لمسؤولين حكوميين، منهم وزراء، بل وحتى محافظ البنك المركزي، برفعنا الدعاوى والإنذارات ضدهم بالمحاكم، وإجبار بعضهم على اتخاذ أو الرجوع عن بعض القرارات، فقد كنّا في نفس الوقت ندعم مسؤولين ووزراء آخرين للمصلحة العامة، لنواجه معهم أحياناً غطرسة أعضاء بمجلس الأمة وابتزازهم بلَيّ أعناق مواد القانون غصباً عن خشم الوزير، مهددين بالاستجواب.
أي أن وقوفنا في السابق كان مع المصلحة العامة، سواء كان ذلك مع الحكومة أو ضدها، أما اليوم فنحن معها، لأنها جاءت في عهد الحزم الذي أرسى دعائم الإصلاح وقواعد استقرار النظام ومهّد الطريق، لتبدأ هي بتطبيق مسطرة القانون وإصلاح الهوية الوطنية وملف الجنسية وسحب المئات منها من غير المستحقين، والقادم أكثر، ثم رسّخت دعائم الأمن والأمان بشكل صارم يقوده وزير الداخلية، وغيرها من إجراءات حكومية كتوفير الوظائف وضبط الأداء بتطبيق البصمة في خطوات تصب جميعها في عجلة الإصلاح.
وضمن عجلة هذا المسار المتسارع، يأتي قيام مجلس الوزراء، مشكوراً، الأسبوع الماضي بإجراءات تقلل من تراكم الدعاوى القضائية، وتصب في مصلحة سرعة حصول المواطن على حقوقه، كتعديل قانونَي الدائرة الإدارية وإيجار العقارات، بما يسمح بتصديق عقود الإيجار وجعلها بقوة السند التنفيذي، من دون الحاجة إلى رفع الدعاوى، وعدم وصول قضايا الإيجارات للاستئناف، كما تضمنت التعديلات اعتبار أحكام الاستئناف الإدارية نهائية، لا يطعن فيها بالتمييز عدا ما تزيد مطالباتها على ثلاثين ألف دينار، أو في حالات الفصل والعزل من الخدمة. إصلاحات مستحقة نأمل أن تشمل مستقبلاً إعادة الضبط والإحضار.
وعليه، فنحن حكوميون بدعم كل هذه الإصلاحات المتسارعة، ولسنا حكوميين، في نفس الوقت، عندما يقوم مجلس الوزراء - في خضمّ هذه الإجراءات التي نشكره عليها - بنسيان أهم قطاع بعد الأمن والهوية الوطنية، ألا وهو التعليم، الذي يحتاج إصلاحاً جذرياً يتطلب وقف الفساد الذي شمل أهم مرافقه ومؤسساته وبعض المسؤولين فيه.
لقد تقدمنا هذا العام، من خلال الجمعية الكويتية لجودة التعليم - كما أشرنا في السابق - لمكتب الرئيس بمقترحين بقانون لتجريم السرقة العلمية للأبحاث والكتب وقانون تجريم الغش، وطالبنا على مدى ست سنوات مضت بإقرار اللائحة التنفيذية للقانون الذي قدّمناه وأقرّ لتجريم الشهادات المضروبة 78/ 2019، كل ذلك ضمن آلية شاملة لإصلاح مواطن الخلل في التعليم العام والخاص وبعض قطاعات الوزارة والتعديلات المطلوبة في بعض الجامعات الخاصة و»التطبيقي» والجامعات الحكومية، وما يتفاقم من تجاوزات لدى بعض القيادات في بعض لجان التعيينات والترقيات والبعثات ولجان التظلمات، وما يتغلغل فيها من أبحاث مخالفة ومسروقة، وهو ما لا يمكن السكوت عنه، ونحن نمتلك ما يكفي من أدلة تدين أطرافها، متسببة في دمار المؤسسات وانتهاك حرمة المال العام وضياع حقوق المستحقين مقابل استفحال المحسوبية والفئوية، وهو ما يتطلب تدخلاً سريعاً لتصحيح المسار ومعاقبة المخالفين، وتعيين قيادات بالأصالة فوراً في الوزارة والجامعات الحكومية و»التطبيقي»، وكل ذلك مع الأسف نادينا به مراراً، وها نحن الآن نعيده تكراراً، من دون تحرّك واضح لمجلس الوزراء.
إن ما يبعث الأمل هو تفاعل رموز المجتمع، ليقينها بأهمية التعليم كأساس لبناء الوطن، كما جاء على لسان رئيس مجموعة الثمانين، الأخ الفاضل عادل الزواوي، مؤيداً دور الجمعية في كشف ما يعتري هذا الملف من فساد، ومطالباً بأن تصل تفاصيله للقيادة، موضحاً أن العلم عماد التطور والتنمية في البلد، وأن العلم الأعرج سيجعل تطورنا أعرج، ولن نعود إلى موقعنا الأساسي وموقع الكويت الأصلي إلا بإصلاح التعليم وفتح ملفات الجنسية، مؤكداً أنه إن كانت أهمية «الهوية الوطنية» لدعم كيان الوطن، فإنّ أهمية «الهوية التعليمية» لبناء هذا الوطن.
وعليه، فنحن في النهاية حكوميون في دعم جهودها المتسارعة للإصلاح، وغير حكوميين في نسيانها لأهم قضايا التعليم!
***
إن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي.