في عالم الصحافة، كما في العوالم الأخرى من حياتنا، نتحسَّر على أيام زمان، ونُمنِّي النفس بأن تعود، لذلك عندما أعثر على شيء يمت بصلة إلى ذاك الزمن أشعر بالسعادة.

وجدتُ ما يُفرح القلب ويُنعش الذاكرة، مجلدين أصدرتهما مجلة «باري ماتش» (Paris Match) الفرنسية يوثقان أحداثاً كانت شاهدة عليها، بل وصانعة لها، من عام 1949 إلى عام 1989.

Ad

صدر العدد الأول منها في مارس 1949، واشتهرت بأنها من أجرأ وأفضل المجلات الأسبوعية في العالم، والتي تعطي للصورة اهتماماً ومساحة واسعين، تؤرخ للأحداث الكبرى من خلال إبراز الصورة الخاصة.

عام 1950 كان يعني لي الشيء الكثير، في حينه حدث شيء غير متوقع، حيث نشرت المجلة صوراً رائعة وحيَّة لمتسلق جبال أنابورنا. هذا العدد كان له صدى غير طبيعي. هنا أدرك الجمهور أن فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية قد بدأت أخيراً، وأن الحرب قد انتهت فعلياً، ونالت المجلة بسبب هذه الصورة على الغلاف، شهرة عالمية.

كيف تعاطت بتوثيق الأحداث السنوية؟ اختارت حدثين أو ثلاثة أحداث كبيرة، وأفردت لها صفحات كاملة، ثم وضعت قائمة بأهم أحداث السنة، وأوردت ملخصات عنها، بحيث إذا رغبت بمعرفة ماذا حدث عام 1950، فستجد ما يُشبع فضولك.

في هذا العام (1950) كانت فرنسا غارقة في مستنقع حرب ما يُعرف بـ «الهند الصينية»، والتي كانت تخوضها قوات الهند الصينية– الشيوعية ضد القوات الفرنسية بشكل أساسي، وهي الحرب التي بدأت بعد الحرب العالمية الثانية، وانتهت بهزيمة فرنسا.

أيضاً كانت بداية الخمسينيات إعلاناً لحرب الكوريتين، وتصريح الرئيس الأميركي ترومان عن بدء بناء القنبلة النووية متزامنة مع بداية بث البرامج التلفزيونية الملونة في أميركا.

كل مجلد من مجلدات «باري ماتش» بحدود 450 صفحة أرادت أن تكون نسخة تاريخية تحمل بصماتها، حفظت تاريخها، وأعطته المساحة التي يستحقها. يعني أرشفة تاريخ العالم بشكل مستديم، وباتت المجلة مرجعاً للباحثين، رغم الصعوبات والعوائق التي واجهتها، لكنها صمدت واستمرت.

والحديث عن مجلة باري ماتش يأخذنا إلى مجلات أخرى نالت شهرة مماثلة، كمجلات مصورة، منها مجلة «Life»، وهي من أشهر المجلات الأميركية، تأسست عام 1883، وتوقفت عام 2007، كانت صوتاً يلهم الجميع، ومنصة بارزة في مجال التصوير الصحافي، وما زلت أحتفظ بعدد خاص أصدرته بمناسبة اغتيال الرئيس جون كنيدي عام 1963، عندما تُطالعه كأنك تُشاهد فيلماً سينمائياً أمام عينيك.

مجلة أخرى كُنت، وما زلت، أتابعها وأحرص على قراءتها، هي مجلة «National Geographic»، والتي ظهرت أول مرة عام 1888، وصارت تُصدر طبعة باللغة العربية ابتداءً من عام 2010 من أبوظبي، بعدما صدرت بـ 32 لغة.

هناك محاولات عربية جرت لتوثيق أحداث العالم بالصورة والكلمة، كما فعلت «النهار» اللبنانية، و«السفير» و«الحياة» و«آخر ساعة» المصرية، بحيث تصدر مجلدات تغطي أحداث قرن كامل، أي مئة سنة، تبقى ذخيرة ممتعة للقارئ والباحث والمجلة التي أصدرتها.