المستشار مرآة لصاحب القرار

نشر في 19-08-2024
آخر تحديث 18-08-2024 | 19:56
 محمد الجارالله

«إذا أردت أن تعرف نزاهة ووطنية وحصافة الوزير فانظر إلى السيرة الذاتية لمستشاريه ووكلائه»... هذه العبارة التي أود لو نقشت على بوابات الوزارات والمؤسسات الحكومية، تعكس بوضوح أهمية دور المستشارين في تعزيز أو إضعاف مكانة أي مؤسسة حكومية.

في الآونة الأخيرة، كثر الحديث والجدل في الكويت حول دور المستشارين الوافدين، وتباينت الآراء بشكل كبير، ولهذا سوف أقدم في هذا المقال تحليلاً لدور المستشار ومعايير تعيينه.

تتنوع الآراء حول المستشارين الوافدين بين طرح محايد وآخر متطرف. فمن جهة، يرى البعض أن المستشارين الوافدين يسهمون في نقل خبرات عالمية، وإضافة قيمة نوعية للمؤسسات الحكومية، لا سيما في ظل التطورات التكنولوجية والاقتصادية العالمية السريعة، وأن هذا لا ينتقص من قيمة الكفاءات المحلية، بل يعززها ويدعمها في مواجهة التحديات المتزايدة.

في المقابل، يرى آخرون أن الاستعانة بالمستشارين الوافدين تفتح الباب أمام مشاكل عدة، بينها التبعية الاقتصادية أو الولاء أو ضعف الاعتماد على الكفاءات الوطنية. إن المستشار الوافد قد يكون أقل أمانا من الناحية الوظيفية، وبالتالي قد يكون أقرب إلى تلبية رغبة المسؤول من المستشار الوطني. وإن كنت أتحفظ عن ذلك، فكلاهما في الغالب يسعى إلى نيل رضا المسؤول.

يمكننا تعريف المستشار بأنه الشخص الذي يقدم الرأي والمشورة المبنية على أسس وأدلة واضحة، ويختلف دوره من مؤسسة إلى أخرى، لكن وظيفته الأساسية تظل ثابتة، وهي توفير رؤية متخصصة تساعد صانع القرار على اتخاذ الخيارات الصائبة.

ولا يقع على المستشار تنفيذ قراراته، بل يقتصر دوره على تقديم النصيحة والمشورة، وتوضيح العواقب المحتملة لكل خيار، ويتطلب دور المستشار القدرة على التحليل العميق، والاطلاع الواسع، والمثابرة في إعداد التقارير والحيادية في تقديم المشورة، ويجب أن يكون على دراية بأحدث التطورات في مجاله.

من خلال تجربتي أرى أن المسؤولية الأولى والأخيرة في اختيار المستشار تقع على عاتق رئيس المؤسسة أو الوزير، فالمستشار أيا كانت جنسيته، لا يمكن أن يفرض على المسؤول، كما أرى أنه ليس لدينا في الكويت حتى الآن اكتفاء ذاتي من المستشارين، ولن يكون ذلك إلا إذا استطاعت أميركا وأوروبا الاستغناء عن المستشارين الأجانب فيها.

كما أعتقد أن الاختيار السليم للمستشار يعتمد على ثلاث خصال رئيسية - وتتوافر في المسؤول أيضا - وهي المستوى الذهني والعلمي العالي، والخبرة الواسعة التي تحيط بجوانب التخصص، والنزاهة والقدرة على تقديم مشورة صادقة دون تحيز.

هذه الخصال تؤهل المستشار لدوره، سواء كان وافداً أو كويتياً، لذلك لا ينبغي أن تكون جنسية المستشار محور النقاش، بقدر ما يجب أن تركز على كفاءته وخبرته ونزاهته.

وما يؤسف له أن هناك العديد من الحالات في القطاع الحكومي، ليس فقط في الكويت وإنما في العالم العربي، حيث يتم اختيار مستشارين بناءً على مدى توافقهم مع مديري المؤسسات بدلاً من المصلحة العامة، في هذه الحالات يصبح المستشار مجرد انعكاس لرؤية من اختاره، وأداة لتحقيق رغباته. هذا النوع من المستشارين، سواء كانوا وافدين أو مواطنين، لا يخدم المصالح العامة بل يضر بها، لأنه يعوق تقديم الحلول الحقيقية التي تحتاجها المؤسسة، بل قد يلوي أعناق الحقيقة ليرضي المسؤول. ولعل ما تشتكي منه مؤسسات الدولة الآن هو نتاج تلك الاختيارات التي ارتكزت على الفئوية أو إرضاء نائب أو متنفذ في الفترات السابقة، وتسعى الحكومة الآن جاهدة إلى تلافيها.

وحتى تتضح الصورة أكثر، نشير إلى الفرق بين دور المستشار في القطاع الخاص، ولماذا ينجح، ودوره في القطاع العام. إن ما يميز القطاع الخاص هو طلبهم من المستشارين تقديم حلول مباشرة بفعالية تؤدي إلى تحسين الأداء وتحقيق الأرباح والنتائج، بخلاف القطاع العام، حيث تتواجد عوامل متعددة مثل أهواء رئيس المؤسسة أو المصالح الاجتماعية أو البيروقراطية التي تعرقل تحقيق النتائج المرجوة.

مثال بارز على نجاح الاستعانة بمستشارين من خارج بيئة بنك الكويت الوطني، لقد أدرك البنك أن التطور والنمو المستدام يحتاج الى استقطاب مستشارين أكفاء من بيئات وخلفيات مختلفة نجحت في تقديم رؤى واستراتيجيات جديدة، مما ساهم بشكل كبير في تحقيق نجاحات متتالية على مر السنوات.

في الخليج، تأتي تجربة دبي في الاستعانة بمستشارين وافدين في المنطقة، حيث استعانت بنخبة متميزة من المستشارين في مجالات متعددة، مثل التخطيط الحضري والسياحة والاستثمار، مما أحدث نقلة استثمارية ساهمت بشكل كبير في تحويل دبي إلى مركز اقتصادي عالمي.

كما نجحت الحكومة، في نظامها الصحي، بالاستعانة بمستشارين وافدين قدموا دراسة تضمنت حلول سياسات نظام الرعاية الصحية القائم في الكويت، وطرحوا حلولاً مبتكرة مماثلة لدول مثل «كويت هيلث بيلدرز»، لكنها ظلت حبيسة الأدراج، ولا تكاد تسمع لها أي صدى مؤثر، وهنا تكمن أهمية أصحاب القرار في استخراجه والاستفادة منها.

إن العالم يتغير بوتيرة سريعة في مجالات التكنولوجيا والإدارة، لذلك فإن الحاجة لأصحاب الخبرات الكبيرة أصبحت ضرورة قصوى للبلد. هذه الخبرات لا تكون متاحة محليا، مما يستدعي الاستعانة بها من الخارج، ومع ذلك يجب أن تؤكد أن المستشار المتميز، أيا كانت جنسيته، لا يمكن أن يحل محل المستشار الكويتي، بل على العكس يمكن أن يؤدي وجوده دعما للمستشارين الكويتيين لمزيد من التحفيز والخبرة والنمو. ولذلك يجب أن نبتعد عن أي محاولات لإثارة النعرة أو التفرقة أو التمييز.

وخلاصة الموضوع أن اختيار المستشارين هو عملية حاسمة تتطلب دقة وعناية، سواء في القطاع الحكومي أو الخاص. والتجارب الناجحة، مثل بنك الكويت الوطني وتجربة دبي، تظهر أن الاعتماد على مستشارين مؤهلين من خلفيات مختلفة يمكن أن يؤدي إلى تحقيق نتائج مبهرة.

إن نجاح المؤسسات والدولة يعتمد بشكل كبير على اختيار المستشارين الأكفاء المتجردين، وعلينا أن نتذكر دائما أن المسؤولية النهائية تقع على عاتق صاحب القرار الذي يجب أن يعطي كل اهتمام لاختيار المستشارين بعناية وفق معايير مهنية تضمن تحقيق أهداف المؤسسة أو الدولة بأفضل طريقة.

وزير الصحة الأسبق

back to top