في الصميم : قواعد الاشتباك السمجة
تمثيلية أو مسرحية قواعد الاشتباك السمجة بين إيران ووكلائها من جهة، وبين إسرائيل وأميركا من جهة أخرى، تذكِّرنا بقواعد الاشتباك في حواري مصر الشعبية، عندما نسمع بين «الرجّالة» الهياط والصراخ، والتهديد بالويل والثبور وعواقب الأمور، وقد تصاعد الغبار، ووصلت القلوب إلى الحناجر، وتراكض الصبية كلّ يأتي بـ «عجرة» والده، السلاح المفضَّل لهذه الأمور، فنعتقد نحن «الغشَّمْ» أن مذبحة ستقع لا شك فيها، وأن الدماء ستسيل إلى الركب، ولكن، فجأة تهدأ الأمور، ويعم السكون، وينقشع الغبار عن أناس كلّ ماسك بتلابيب خصمه، وكلّ يقول لصاحبه بكل هدوء وحنيّة: طَبْ «انت سيب وأنا أسيب»، وفعلاً «الكل يسيب الكل»، وينفضّ الجمعان، كلّ يذهب إلى حال سبيله، ونحن فاغرون أفواهنا مبهورين، والكل منا يتساءل: إذاً لماذا هذه «البهدلة» أمام الخلق؟ ولماذا أزعجتم سكان حارتكم المساكين؟
هذا تماماً ما يحصل أمامنا ويومياً في منطقتنا العربية، ولكن أمام الكاميرات والميكروفونات. إنها مسرحيات سمجة تحدث منذ 1979، منذ أن جاء الخميني من باريس حتى يومنا هذا، مشاكسات ومناوشات بين إيران من جهة، وبين ما تسميهم بشيطانيها الأكبر والأصغر، لكنها معارك صورية لا غير، تحدث بين صبيتهم ووكلائهم وخونة العرب في المنطقة.
ما نراه، وبالتأكيد لابد أن غيرنا يراه، لا يعدو أن يكون مهزلة تجري منذ سنوات في منطقتنا العربية، ما يجري ما هو إلا ترف تتمتع به إيران وحدها تحكمه قواعد اشتباك مفتعلة بين إيران وحلفائها الغربيين، تماماً كما يجري في حارات مصر، فمنذ استبدل الشاه بالنظام الحالي حتى يومنا هذا لم نرَ ولم نسمع إلا جعجعة مملة، صراخاً وتهديدات، وصواريخ لوكلاء من هنا وهناك، ولا غير ذلك.
الواضح أن هناك قواعد اشتباك وخطاً أحمر يحمي النظام الإيراني وميليشياته التي من طينته، فضحهم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، فإيران ومن دون أي معوقات لا تزال تصنِّع كل ما هو ممنوع على العرب من أسلحة دمار، وهي لا تزال تطور سلاحها النووي، ولا أحد يمنعها عن ذلك.
الآن هناك اتفاق إيراني- أميركي جديد ينص على تأجيل الرد أسبوعين على مسرحية اغتيال هنية في طهران، واتفاق آخر محكوم بقواعد الاشتباك مع حزبها في لبنان، وكأنهم يعطون الصهاينة فرصة للفتك بمزيد من الفلسطينيين، فيا له من عرض لن يتضرر منه إلا العرب، ويا له من اتفاق كان ضحيته هنية.
مساكين العرب، فلم تسنح لهم فرصة التمتع بقواعد الاشتباك، فالرد الوحشي ينتظرهم بكل الأسلحة المحللة والمحرمة، والقتل والتدمير يستهدف عمداً مدارسهم ومستشفياتهم وأطفالهم وموانئهم، ومساكين أهالي غزة، وعرب الحُديدة، وكل عرب العراق وسورية ولبنان، فليس بينهم مَنْ يملك ترف التمتع بقواعد الاشتباك.