أكد السفير الصيني لدى البلاد، تشانغ جيانوي، أن الشرق الأوسط هو موطن شعوب هذه المنطقة، التي عليها أن تعيش وتتطور، بدلاً من أن «تصبح فناء خلفياً لأي أحد»، بحيث يكون أبناء شعوبها أسياداً لمصير منطقتهم ومستقبلهم.

وشدد جيانوي، في حوار مع «الجريدة»، على أن بكين لم تشارك ولن تشارك أبداً في الصراع الجيوسياسي بتلك المنطقة، «ولم ترسم لها مناطق نفوذ، أو تبحث عن أي عميل فيها»، مضيفاً أنه «ليس لدينا أي نية لملء ما يسمى بالفراغ في تلك المنطقة».

Ad

ورأى أن هناك دولاً ظلت فترة طويلة تنظر إلى الشرق الأوسط باعتباره رقعة شطرنج استراتيجية، وإلى دوله على أنها «بيادق»، فضلاً عن إثارتها صراعات وإقامة حواجز بشكل متكرر، مما يشكل عنصراً خطيراً لإحداث الاضطرابات الإقليمية، نافياً أن تكون لبلاده «أي مصالح أنانية في شؤون الشرق الأوسط، إذ إن ما تسعى إليه «هو الأخلاق، وما ندعو إليه هو العدالة».

وأعرب عن دعم بلاده دائماً للشعب الفلسطيني بقوة في استعادة حقوقه الوطنية المشروعة، «باعتبارنا صديقاً مخلصاً للدول العربية»، فضلاً عن دعم استقلال هذه الدول الاستراتيجي وتضامنها وتقوية ذاتها، لافتاً إلى أن تعزيز التضامن والتعاون بينها من خلال الحوار والتشاور هو تطلع يواكب الاتجاه العام بهذا العصر، كما يبرهن قدرتها على تحديد مستقبلها ومصيرها بأيديها.

وأضاف السفير جيانوي أن الصين والكويت والدول العربية والإسلامية تعمل نحو الدفع للمصالحة الفلسطينية الداخلية، معتبراً أن «حوار بكين» بين الفصائل الفلسطينية الـ 14 كلها، أوسع وأعمق مصالحة سياسية في التاريخ شاركت فيها تلك الفصائل «التي نأمل لها أن تحقق إقامة دولة فلسطين المستقلة في المستقبل القريب على أساس المصالحة الوطنية».

ورأى أن أهم مخرجات حوار بكين الجوهرية تمثَّل في تأكيد أن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، مبيناً أن أبرز نقاطه تجلت في الاتفاق على الحكومة المستقبلية بعد انتهاء الصراع في قطاع غزة وتشكيل حكومة وفاق وطني مؤقتة، فضلاً عن دعوة الحوار القوية إلى إقامة دولة فلسطين المستقلة بشكل حقيقي وفقاً لقرارات الأمم المتحدة.

وأعرب عن تقدير بلاده لموقف الكويت العادل بشأن هذه القضية وتقديمها المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني، لاسيما في ظل العمليات العسكرية الإسرائيلية التي حولت غزة إلى جحيم على الأرض وأدت إلى مقتل أكثر من 40 ألف فلسطيني.

• ما دلالات زيارتكم الأخيرة لوزير الخارجية عبدالله اليحيا في هذا التوقيت الحساس التي تمرّ به المنطقة؟ وأين وصلت الوساطة الصينية في المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية؟

- التقيت قبل أسبوع وزير الخارجية الكويتي عبدالله اليحيا، وتبادلنا وجهات النظر حول العلاقات الصينية - الكويتية والتعاون الثنائي وآخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية والتطورات التي تشهدها المنطقة، بما فيها القضية الفلسطينية.

وكما تعلمون، فقد تجمّع 14 فصيلاً فلسطينياً في بكين أخيراً، وأجروا حواراً حول المصالحة، ووقّعوا «إعلان بكين لإنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية».

ويعتبر «حوار بكين» بين الفصائل الفلسطينية أوسع مصالحة سياسية وأعمقها في التاريخ، حيث شاركت فيه جميع الفصائل الفلسطينية.

إن أهم مخرجات حوار بكين بين الفصائل الفلسطينية هو السعي إلى تحقيق المصالحة والوحدة الشاملة بين الفصائل الفلسطينية الـ 14 كافة، وإن أكثر النتائج الجوهرية له هو تأكيد أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وإن أبرز النقاط له هو الاتفاق حول الحكومة المستقبلية بعد انتهاء الصراع في قطاع غزة وتشكيل حكومة وفاق وطني مؤقت، ولعل أقوى الدعوات فيه هو إقامة دولة فلسطين المستقلة بشكل حقيقي وفقا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.

وستأتي المصالحة داخل الفصائل الفلسطينية بالأمل الثمين والمستقبل المشرق للشعب الفلسطيني. ورغم أن السلام لن يتحقق بين عشية وضُحاها، فإنه ما دام الاتجاه صحيحا، ينبغي لنا أن نواصل المُضي قُدما بثبات.

إن مفتاح المصالحة الفلسطينية هو تعزيز الثقة والتمسك بالاتجاه، والمُضي قُدما خطوة بخطوة، ولن تصبح المصالحة أوثق وأكثر توحيدا لداخل الفصائل الفلسطينية إلا من خلال بلورة التوافق ووضعه موضع التطبيق بشكل مستمر.

ولا تستغني المصالحة باعتبارها من الشؤون الداخلية بين الفصائل الفلسطينية عن دعم المجتمع الدولي، كما أن الصين والدول العربية والإسلامية الغفيرة، بما فيها الكويت، تعمل نحو الاتجاه والهدف نفسه في طريق الدفع للمصالحة.

ويأمل الجانب الصيني، بكل إخلاص، أن تحقق الفصائل الفلسطينية إقامة دولة فلسطين المستقلة في المستقبل القريب على أساس المصالحة الوطنية، وسنواصل جهودنا الدؤوبة والمشتركة مع الأطراف المعنية كافة، لتنفيذ إعلان بكين، ودفع إيجاد حل شامل وعادل ودائم للقضية الفلسطينية في يوم قريب.

«طوفان الأقصى»

• عند انطلاق «طوفان الأقصى»، وقفت الصين على مسافة واحدة من طرفَي الصراع، ولكن لاحقاً، تغيّر موقفها بكين، ودانت القصف الإسرائيلي الشامل للمدنيين، وانتقدت انتهاكات القانون الدولي... لماذا هذا التغيير في الموقف الصيني، وما موقفكم الحالي من الصراع اليوم؟

- لقد صار الصراع في غزة محل اهتمام المجتمع الدولي حاليا، وأدى استمراره إلى كوارث إنسانية خطيرة، ورغم أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أصدر قراراً بوقف إطلاق النار، فإن الحرب لم تهدأ، ومنذ اندلاع جولة جديدة من الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي في أكتوبر العام الماضي، أدت العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة إلى مقتل أكثر من 40 ألف فلسطيني، وقد تحولت غزة إلى جحيم حية على الأرض، مما أدى إلى شعور الصين بقلق بالغ وحزن شديد إزاء الوضع الإنساني الراهن في غزة.

إن هذه الكارثة الإنسانية المروعة تتحدى الضمير الأخلاقي الذي تقوم عليه الحضارة الإنسانية، وقد كشفت عن نفاق بعض البلدان التي تدّعي «دعم حقوق الإنسان وحمايتها».

كما أن اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، رئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق، إسماعيل هنية، أخيرا في العاصمة الإيرانية طهران دفع الوضع الإقليمي إلى وضع أكثر خطورة، وإن هذا الاغتيال ينتهك المبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة، كما ينتهك سيادة إيران وكرامتها، ويقوّض بشكل خطير الجهود التي تبذلها جميع الأطراف لتعزيز السلام، ويجعل وقف إطلاق النار في غزة أكثر صعوبة، نحن نعارض ذلك وندينه بشدة.

3 خطوات

ومن أجل الخروج من مأزق الصراع الحالي، اقترحت الصين نهجاً من 3 خطوات؛ الأولى هي تعزيز وقف إطلاق نار شامل ودائم ومستدام بقطاع غزة في أسرع وقت ممكن، وضمان وصول المساعدات الإنسانية وإمدادات الإغاثة.

أما الخطوة الثانية فهي دعم المبدأ القائل بأن «الفلسطينيين يحكمون فلسطين»، والعمل معا لتعزيز الحكم في غزة بعد الحرب، بينما الخطوة الثالثة هي دعم فلسطين، لتصبح عضوا كامل العضوية في الأمم المتحدة والبدء في تنفيذ حل الدولتين.

إن «الخطوات الثلاث» المذكورة أعلاه تترابط بعضها ببعض، ولا غنى عن أي واحدة منها.

وإننا ندين كل ما يضر المدنيين ونعارض أي انتهاك للقانون الإنساني الدولي، كما ندعو إسرائيل بقوة إلى الاستماع بعناية لنداءات المجتمع الدولي، ووقف إطلاق النار وإنهاء الحرب فورًا، وبذل قصارى جهدها لحماية المدنيين، وتجنّب المزيد من تصعيد التوترات الإقليمية.

ويتعين على المجتمع الدولي العمل معا لبذل مزيد من الجهود للتخفيف من حدة الكارثة الإنسانية في غزة وإنهائها، وإنّنا على استعداد للعمل مع الأطراف كافة لمواصلة القيام بدور بنّاء في تخفيف الأزمة الإنسانية بغزة، وتعزيز التوصل إلى حل شامل وعادل ودائم للقضية الفلسطينية في القريب العاجل.

أجندة خاصة

• بعض التقارير الغربية تفيد بأن «الصين تطمح إلى دور كبير بالشرق الأوسط، ولديها أجندة سياسية خاصة»... ما تعليقكم على هذا الكلام؟

- الشرق الأوسط هو موطن شعوب الشرق الأوسط، حيث يعيش ويتطور بدلا من أن يصبح فناء خلفياً لأي أحد، ويكون أبناء شعوب الشرق الأوسط أسيادا لمصير المنطقة ومستقبلهم.

لقد ظلت بعض الدول لفترة طويلة تنظر إلى الشرق الأوسط باعتباره رقعة شطرنج استراتيجية والدول الإقليمية كأنها بيادق، وأثارت الصراعات وأقامت الحواجز بشكل متكرر، مما يشكل عنصرا مهماً للاضطرابات الإقليمية.

وليس لدى الصين مصالح أنانية في شؤون الشرق الأوسط، وخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فما نسعى إليه هو الأخلاق، وما ندعو إليه هو العدالة، وباعتبارنا صديقًا مخلصًا للدول العربية، ندعم دائمًا الشعب الفلسطيني بقوة في استعادة حقوقه الوطنية المشروعة، وندعم الاستقلال الاستراتيجي والتضامن وتقوية الذات للدول العربية.

ولم ولن نشارك أبدًا في الصراع الجيوسياسي بالشرق الأوسط، ولم نرسم مناطق نفوذ، ولم نبحث عن أي عميل في المنطقة، وليس لدينا أي نية لملء ما يسمى بـ «الفراغ» في المنطقة.

إن تعزيز التضامن والتعاون بين الدول العربية من خلال الحوار والتشاور هو تطلع شعوب المنطقة والاتجاه العام للعصر، كما أنه يدل على قدرة الدول العربية على تحديد مستقبلها ومصيرها بأيديها.

وفي السنوات الأخيرة، طرحت الصين، على التوالي، اقتراحا من 4 نقاط لحل القضية الفلسطينية، واقتراحا من 5 نقاط لتعزيز السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، واقتراحا من 4 نقاط لتسوية سياسية للمسألة السورية، والأفكار ذات النقاط الثلاث لتنفيذ «حل الدولتين»، ومبادرة الأمن العالمي، والغرض من ذلك هو تشجيع دول المنطقة على تعزيز التوحد والاعتماد على نفسها، وحل النزاعات والخلافات من خلال الحوار والتشاور، فالانتقام يؤدي إلى حلقة مفرغة، والرد على العنف بالعنف لن يؤدي إلا إلى تفاقم الصراعات.

وسنواصل تنفيذ مبادرة الأمن العالمي في الشرق الأوسط، والتمسك بمفهوم الأمن المشترك والمتكامل والتعاوني والمستدام، وتعزيز التنمية والأمن من خلال التعاون، وتقديم مساهمات أكبر للمحافظة على السلام والاستقرار في الشرق الأوسط. 

العدالة والسلام

• مواقف الصين الإنسانية تتشابه كثيراً مع مواقف الكويت الإنسانية حول العالم... هل هناك تنسيق بينكم وبين الكويت في مسألة الحرب بغزة؟

- إن الصين والكويت كليهما من الدول التي تحب السلام وتهتم بالتعاون وتدافع عن العدالة، وتقدر الصين موقف الكويت العادل بشأن القضية الفلسطينية وتقديمها المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني.

ومنذ اندلاع الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي الحالي، ظلت الصين تعمل جاهدة من أجل تحقيق وقف النار واستعادة السلام وإنقاذ الأرواح في غزة، وقدمت دفعات متعددة من المساعدات الإنسانية إلى الشعوب في قطاع غزة.

وفيما يتعلق بالتصعيد الحالي للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، فإن الصين تتفق إلى حد كبير مع موقف غالبية الدول العربية، بما في ذلك الكويت، ونأمل جميعًا في تعزيز وقف إطلاق وإنهاء الحرب في أقرب وقت ممكن لمنع تصعيد الوضع أو حتى خروجه عن نطاق السيطرة.

نحن جميعًا نعارض الأعمال التي تضر بالمدنيين أو تنتهك القانون الدولي، وندعو إلى حماية المدنيين وتنفيذ الإغاثة الإنسانية لمنع المزيد من الكوارث الإنسانية الخطيرة، وجميعا نؤيد حل الدولتين لتحقيق حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته وحقه في الوجود وفي العودة، ونعتقد أن هذا هو السبيل الوحيد لحل القضية الفلسطينية.

مؤتمر دولي لدفع استئناف محادثات السلام

قال السفير جيانوي «إننا نؤيد جميعا عقد مؤتمر سلام دولي أكثر موثوقية وأوسع نطاقا وأكثر فعالية في أقرب وقت ممكن لدفع استئناف محادثات السلام الفلسطينية - الإسرائيلية في أسرع وقت ممكن، وصياغة جدول زمني وخريطة طريق محددين لتحقيق هذه الغاية».

وأضاف أنه «بالنظر إلى المستقبل، فإن الجانب الصيني يحرص على تعزيز التواصل والتنسيق مع الجانب الكويتي، ومواصلة أداء دور إيجابي في المحافظة على السلام والاستقرار ودفع التنمية بالمنطقة».