- ما الذي تريد أن تعرفه عني؟

- تجربتك الطويلة.

Ad

- وهل تتوقع أن أكون بالشجاعة التي تُمكنني من أن أذكر كل ما مرّ بي من تجارب؟

- هذا ما ننتظره منك.

- يا عزيزي، كتابة المذكرات مسؤولية أخلاقية، فإذا لم يكن الإنسان صادقاً فيها إلى أبعد حدود الصدق، فلا يحق له أن يُقدم عليها.

- وأنت جدير بهذه المسؤولية.

- أشك في ذلك.

- تشك!... لماذا؟

- هل تعرف ماذا كتب جان جاك روسو في الصفحة الأولى من مذكراته؟

- وما علاقة ذلك بكتابة مذكراتك أنت؟

- ذلك يعني أن أكون صادقاً في كل ما سأكتب، مثلما فعل هو.

- وما الذي يحول دون ذلك؟

- لأنني إذا كتبت الصدق في مذكراتي، فسأكون بذلك قد فتحت على نفسي أبواب جهنم من كل حدب وصوب.

- ممن؟

- أولاً: من أقرب الناس لي، ثانياً: نظرة المجتمع لي، ثالثاً: ستظهر جهات متعددة ترفع عقيرتها بالمماحكات والاحتجاجات والتقولات.

- يا ستار، إلى هذه الدرجة؟

- وأكثر مما تتصور.

- ولكن المتابع لحياتك لا يرى مثل هذه الصورة المبالغ فيها؟

- لأنها مخفية، وغير ظاهرة للعيان، ولكن عندما أكون صادقاً مع نفسي وأخطها بيدي في مذكراتي، فالأمر هنا يختلف، لأنني أكون قد أخرجتها من قمقم مخزوني الذي لم يطَّلع عليه أحد.

- هل فيما ستكتبه ما يحرجك مع أقرب الناس إليك، أو يجعل المجتمع ينظر إليك نظرة مغايرة، أو أن هناك ما يضعك أمام مساءلة قانونية؟

- إياك والاعتقاد - يا عزيزي - أنني أتفرَّد بما ذكرته لك، فما من كائن فوق هذا الكوكب إلا وبداخله ذلك القمقم، الذي لو أظهره بالصدق الذي سيواجه به ربه على شكل مذكرات لانتابته نفس المخاوف التي تجعلني متردداً في كتابة مذكراتي.

- طيب... لماذا لا تتجنب المحظورات؟

- وتكون مذكراتي... قال لي السنعوسي، وقلت لعبدالحسين، وهكذا حدثني الربعي، وذهبت مع عبدالحليم، وكيف غنت أم كلثوم «يا دارنا يا دار»، ثم أذكر صداقتي لسنوات مع المرحوم خالد سعود الزيد، وكيف أخرجت للإذاعة كتابه - من الأمثال الشعبية - وهلمّ جرا من هذه الأحداث؟

- هذا مجال اختصاصك، وما يريد الناس منك أن تكتب لهم عن تجربتك فيه.

- ولكن هناك ما هو أهم من هذه الشذرات بكثير.

- يا سيدي اكتب عن تجربتك مع الأدباء، وتحديداً طه حسين، أو اكتب عن تجربتك في الكتابة الصحافية في الكويت ولندن ومصر وبيروت.

- أنت تبسِّط الموضوع.

- كيف أبسط الموضوع؟

- يا عزيزي، عندي من التجارب الحياتية التي لو كتبتها بصيغ ثقافية أو أدبية على شكل مذكرات لظهر ألف ألف معترض على ما فيها، مع أنني لو قورنت به وبأفعاله، لكانت معطياتي تحمل الجوانب الإيجابية والأخلاقية، فيما هو يفتقر إلى ذلك.

- أنت تبرر عدم إقدامك على كتابة مذكراتك بهذه الحجج.

- ربما سأكتبها يوماً، ولكن على شرط.

- وما ذلك الشرط؟

- أن تُنشر بعد وفاتي.