عن الاغتراب البيئي... السعودية والطاقة الجيوحرارية
من أهم عوامل نجاح الدول المتقدمة وأسباب تطورها المستمر، كما أشرنا مرارا وتكرارا، وضع الخطط المتعددة الأوجه والجوانب، والاستراتيجيات ذات الخط الزمني المحدد والمدروس. هذا ما تجني ثماره هذه الأيام المملكة العربية السعودية، وهو ما استوجب أن نعلّق على أخبارها على مدى الأسابيع الماضية بشكل مستمر.
فعلى صعيد إنتاج وأسواق الطاقة، ولأنها تعلم أن العالم يتغيّر من حولنا جميعا بسرعة البرق، بدأت المملكة، بخطوات جادة وبشكل جاد، إعادة تشكيل سياساتها المتعلقة بسوق الهيدروكربون الخليجي والعالمي، المستمد بشكل رئيسي من الوقود الأحفوري، وبشكل أكثر دقة بدءا من عام 2016، حيث وضعت المملكة سياسات واضحة بدأت تترجمها نحو أهداف ملموسة لتحقيق التالي:
(1) إنتاج 50 بالمئة من الغاز لتغذية احتياجات الأسواق المحلية، نظرا لكونه لُقيماً أخف وطأة من المشتقات البترولية على البيئة، ويحقق أمنا واستدامة طاقية أكبر.
(2) إنتاج ما تبقى من احتياجات الدولة من الطاقة من المصادر المتجددة.
(3) تحديد هدف استبدال وتعويض مليون برميل من البترول المستخدم لإنتاج الطاقة كحد أدنى. (4) تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة المصاحبة لعمليات الطاقة بمقدار ما يزيد على 270 مليون طن بحلول عام 2030، تحقيقا لمبادئ الاقتصاد الكربوني الأخضر، وفق تقرير KAPSARC الصادر أخيراً.
ولأن المملكة أصبحت دولة استثنائية بكل المعايير أخيراً، فإنها لم تكتف بهذه الخطط وإنتاج الطاقة المتجددة بطرق أصبحت شبه اعتيادية هذه الأيام، بل ذهبت، كما أشار التقرير ذاته، إلى دراسة ووضع خطط جديرة بالإشادة بتطوير وتطويع عدد من المكامن الجيوحرارية (استغلال الطاقة من حرارة الأرض)، على غرار عدد من الدول حول العالم، لاسيما في منطقتنا العربية، كالسودان مثلا.
وفي البداية، نحيي النهج والتفكير السعودي في العمل على مبادرات يمكن وصفها بأنها من ذوات التفكير من خارج الصندوق الفكري الاعتيادي العربي، ولكون المملكة لديها الخبرات المطلوبة في العمل على مكامن النفط والغاز، فقد ذهبت لدراسة جدوى الطاقة الجيوحرارية من قشرة الأرض، والمقدرة بـ 15 مليون زيتا جول، وهو ما يستوجب أن يتم استغلالها بدرجات حرارة تقل عن 150 درجة مئوية للاستخدام الآمن في إنتاج الكهرباء.
والأهم في هذه الحالة اليوم هو أن المملكة بهذا النهج والتفكير بدأت في عمل ممنهج لتراكم الخبرات داخلياً لديها، بل إنها تطمح لتصدير هذه الخبرات، نظراً لكونها دولة نفطية لسنوات وعقود عدة.
وتشير التقارير الآن إلى أن الحد الغربي للمملكة قد يكون هو الجانب الجيوغرافي المؤهل لحصد هذا كله من ثمار الطاقة الجيوحرارية. ويبقى السؤال المهم هاهنا، متى نستطيع أن نقول إن لدينا من الخبرات ما يغنينا عن الخارج، ومتى نبادر إلى عمل مشاريع حيوية ذات قيمة وجدوى تترك أثرا إيجابيا على المجتمع؟!
على كلٍّ، مهما كان مصير مشروع المملكة، فإن خطواتها ومبادراتها أصبحت مهمة وتحقق معادلات صعبة تضعها على الخريطة العالمية بوزن جديد وثقيل، متمنين لهم كل التوفيق والسداد.