عادت إلى الواجهة في الكويت مطلع الأسبوع الجاري، مجدداً، عمليات القطع المبرمج للتيار الكهربائي لعدد كبير من المناطق الصناعية والزراعية، فضلاً عن السكنية لـ 3 أيام متواصلة، عقب أسابيع من توقّفها، بعد أن أخفقت وزارة الكهرباء في تجاوز أزمة ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الأحمال، وعدم قدرة محطات الإنتاج على تلبية الطلب المرتفع من احتياجات الطاقة في البلاد.

غير أن القطع المبرمج هذا الأسبوع لم يكن نتيجة زيادة الطلب على الطاقة الكهربائية، وهو بالأصل ليس عذراً لأي دولة، خصوصاً مثل الكويت التي تنفق على قطاع الطاقة نحو ملياري دينار سنوياً لشراء وقود إنتاج طاقة الكهرباء والماء - دون المصروفات الإدارية - بما يعادل 8.1 بالمئة من إجمالي المصروفات العامة، بل كان نتيجة حادث طوارئ تحوّل الى إخفاق إداري بين الجهات الحكومية وتقاذف للمسؤوليات فيما بينها، في مشهد ينذر بالعديد من التصورات السلبية لواقع التعامل مع التحديات الحقيقية للطاقة الكهربائية في البلاد المتمثلة في ضعف القدرة الإنتاجية للدولة، والتكلفة المالية لتلبية الطلب المتصاعد خلال السنوات القادمة.

Ad

ولسنا في موضع تحديد المسؤولية الفنية المتعلقة بالجهة المسؤولة عن توقّف بعض محطات إنتاج الكهرباء، نتيجة توقف تزويدها بالغاز اللازم للتشغيل من شركة البترول الوطنية، الذي ارتبط بتعطل إمدادات مياه البحر المخصصة للتبريد من الهيئة العامة للصناعة، فجميع الجهات المذكورة جهات حكومية تتبع - بشكل مباشر أو غير مباشر - مجلس الوزراء الذي يتحمل مسؤولية عدم التنسيق بين الجهات التابعة، والمكلفون بها وزراء محددون، لدرجة أن عطلاً بسيطاً في الإمدادات اليومية المعتادة تحوّل إلى أزمة طاقة ترتبط على الأرجح بالإهمال، لا بتنامي الاستهلاك أو تراجع الإنتاج!

عطل وتنسيق

فالإدارة العامة التي تعجز عن التنسيق بين جهاتها الحكومية التابعة، كوزارة الكهرباء والماء وشركة البترول الوطنية، والهيئة العامة للصناعة، وتتركها تتقاذف الاتهامات حول مسؤولية الحادثة، أو تمتنع عن استكشاف مكمن الخلل لمنع تكراره، أو لا تستطيع أن تحاسب القياديين - معظمهم بالتكليف - لا يُتصور أنها قادرة على مواجهة مخاوف الاستدامة الحقيقية التي تواجه الطلب على استهلاك الطاقة الكهربائية في البلاد، خصوصاً أن تجاوز أزمة الصيف الحالي كان مرتبطاً بالعديد من إجراءات الطوارئ، كاستخدام عمليات الربط الكهربائي الخليجي والقطع المبرمج والاضطراري.

تحديات أكبر

فتحديات الطاقة في الكويت، وتحديداً الكهرباء، تحديات استدامة وحياة، وهي مرتبطة بالتوسع العمراني ومدى القدرة على تشغيل وبناء المدن الجديدة، إلى جانب التغيّر المناخي وارتفاع درجات الحرارة، بالتوازي مع جدية الدولة في اتخاذ سياسات بيئية تخفّض من تصاعدها خلال السنوات القادمة، فضلاً عن كيفية توفير الطاقة الكهربائية، مع نمو تكاليف دعمها وقياس آثار انحراف التركيبة السكانية ومدى عدالة توجيه الدعوم لمستحقيها على القدرة المالية للدولة في انتظام إنتاجها، مع الأخذ بعين الاعتبار عدم إنشاء محطات إنتاج كهربائي حكومية جديدة منذ ربع قرن تقريباً، في ظل تعطّل إنشاء محطات إنتاج الشراكة بين القطاعين العام والخاص كمشروعي شمال الزور 2 و3.

إهمال واحتياجات

نحن أمام تحديات حقيقية لاستدامة توفير الطاقة الكهربائية، وهذه التحديات جدية تتجاوز بكثير الإهمال أو عدم التنسيق بين 3 جهات حكومية مسؤولة عن إنتاج الكهرباء، فثمة حاجة حقيقية لإدارة حكومية محترفة تستطيع التعامل مع فرضية احتياج نحو 130 ألف وحدة سكنية جديدة خلال 10 سنوات قادمة إلى الطاقة الكهربائية، وتعيد الاعتبار لمشاريع إنتاج الطاقة المتجددة التي تحولت من احتياج حقيقي مساند للإنتاج الى مجرد مسمى إضافي بلا قيمة فعلية لوزارة الكهرباء والماء، وتفتح ملفات تأخير ما يُعرف بـ «أنظمة تبريد الضواحي»، واستخدام التكنولوجيا في خفض معدلات الاستهلاك، مع اتخاذ قرارات أكثر جرأة في اتجاه إعادة تسعير الكهرباء والماء، وفقا لشرائح الاستهلاك بشكل تصاعدي، من دون المساس باحتياجات الأسر المتوسطة الدخل، مع التقييم المستمر لتكاليف الاستهلاك في القطاعات الصناعية والاستثمارية والتجارية والخدمية، وإعادة النظر في نمط المنازل الموزعة للرعاية السكنية، لتكون مساحة البناء فيها أصغر من الحالية، ولو عن طريق نماذج أو خيارات للراغبين، وصولاً إلى المعالجات التفصيلية الدقيقة التي تتمثل في تفعيل وتطوير نظم الحوافز المشجعة لخفض الاستهلاك، والتي تعطي المستهلكين خيارات مالية أو عينية كلما استجابوا لمحفزات خفض الإنتاج ببرامج أشبه بالمكافأة.

الحد الأدنى

المؤسف أن غياب التنسيق بين الجهات الحكومية ذات العلاقة بإنتاج الطاقة الكهربائية يرجع الى قبل نحو 6 أو 7 سنوات ماضية، عندما رفضت مؤسسة البترول الكويتية طلباً من الهيئة العامة للصناعة بتسلّم القطاع النفطي لمحطات تبريد المياه في منطقة الشعيبة الصناعية، حتى لو كانت تدعم إنتاج الغاز، وهو أمر - بغضّ النظر عن مدى وجاهته - يكشف أن الجهات التي تريد التخلص أو نقل تبعية أي منشأة على الأرجح لا تقوم بتطويرها، أو تتعامل معها بمنطق «الحد الأدنى»، وهو ما يفسر جانباً من العطل الذي وقع في الإمدادات مطلع الأسبوع الجاري، ويبيّن حجم «تقاذف الاتهامات» بين الجهات ذات العلاقة، والتي تبدو كل منها كجزيرة معزولة عن الأخرى، وليس مطلوباً منهم جميعاً التعاون.

لا شك في أن انقطاع الكهرباء بسبب غياب التنسيق بين القطاعات الحكومية وغياب المحاسبة أمر سيئ، ليس بسبب وقوع هذا الانقطاع فقط، إنما أيضاً يمكن أن يكون بوابة لوقوع أزمات

«متناهية الصغر» يُفترض ألّا تقع أصلاً، مثل تكرار كارثة حريق المنقف أو تسرب اختبارات العام الدراسي، أو أن تتدهور أوضاع بعض الخدمات كتعطُّل إنتاج المياه أو تلوث الهواء ومياه البحر، أو توقّف عقود النظافة أو إهمال الرقابة الغذائية أو عدم الجاهزية لبدء العام الدراسي وغيرها من «الأزمات الصغيرة» التي من غير المبرر حدوثها لو توافرت أقل مستويات المتابعة الإدارية الحكومية.

الكويت ولبنان

الأكثر سوءاً في مسألة الانقطاع غير المبرر للكهرباء وهو في تزامن القطع المبرمج في الكويت مع الانقطاع الكلي للكهرباء في لبنان - إحدى أكثر الدول الفاشلة في العالم اليوم - إذ إنه رغم اختلاف الأسباب بين الدولتين من جهة انقطاع الغاز في الكويت بسبب الإهمال، وانقطاعه في لبنان لتوقف الاستيراد، فإن التزامن قد يشير بصورة ما الى أن حال الإدارتين في الكويت ولبنان متقاربة... ولا يستر واقعنا إلا وجود النفط وأمواله، وإن كانت غير مستدامة.