الحنان والسخاء خصلتان يجب ألا تنقطعا بعلاقتك مع المرأة، فهي بقدر ما قد تعشق رجولتك تكره غرورك، فانحنِ لأحلامها، وإن كنت لا تستطيع تحقيقها فاجعلها تحسّ أنها مهمة بالنسبة لك، اسمع كلامها وإن كررته ألف مرة، واجعلها تعتقد أنها الأجمل، فرفقاً بها كما قال سبحانه «وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً»، وكما أمر نبيك الكريم.
إن كان هذا الرفق واجباً بزوجة قد تسرّحها بإحسان، فما بالك بمن عُلّق رحمهما وبرّهما بعرش الرحمن، ومن قال عنهما الرسول «ففيهما فجاهد»، ومَن عقوقهما من أكبر الكبائر، حيث قال سبحانه «وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا»، وقال «وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ»؟
إنها رسالة إلى كل من نسي والديه واعتمد على إخوته أو خادم لرعايتهما، أو استحوذ على المزايا المالية لرعاية والديه من ذوي الإعاقة ولم ينفقها عليهما، أو تركهما بالمستشفى لكثرة مشاغله، حيث يقول أحد الأطباء: يتم تعمّد ترك كبار السن لأشهر أحياناً، وحين نصر على أبنائهم لأخذهم للبيت خوفاً على حياتهم من التقاط فيروسات المستشفى، فإنهم في الغالب يعارضون، حتى يتوفاهم الله للسبب ذاته.
لذلك نذكّر كل قاطع لوالديه بأن يبرهما، فقد رأينا بأم أعيننا من أجهش بالبكاء وانتحب على طرف فراش والده بعد وفاته، حين أيقن بتقصيره وقطيعته، ونقول لكل عاقّ وقاطع رحم: «ويحك إن كنت تعتقد أن برّ الوالدين هو أن تطبع على رأسيهما مجرد قُبلة»!
***في جلسة غداء معتادة مع أصدقاء العمر نلمّ بها شتاتنا بعد كل طول انقطاع، نتناول كعادتنا ذكريات الدراسة بالخارج منذ أربعين عاماً، فينتابنا الضحك، ثم نصحو لنعود للحاضر فنتحسر على ما نحن عليه.
في الأسبوع الماضي تحدثنا عن الإعلام وما وصل إليه من انحدار، وفجأة اكتشفنا من خلال الحوار أن صديقنا الجالس معنا هو ابن أحد أوائل الإعلاميين الكويتيين، الفاضل جاسم محمد الشهاب، صاحب كلمات أغنية فرضت نفسها على الساحة العربية وغُنّيت بعدة عواصم، وتسابق على غنائها المطربان الكبيران طلال مداح وعوض الدوخي، حيث ظلت الكلمات عند طلال ستة أشهر لتلحينها وغنائها، ولما تأخّر قام الدوخي بذلك، فزعل طلال، ثم اتفقا أن يغنيها هو أيضاً، وهي «عذروب خلي حسنه الفتان».
إن من بين أشهر كلمات السيد شهاب وصارت تراثاً يُغنّى بحفلات الزفاف أغنية «حبيبي شمعة الجلاس» للمطرب حسين جاسم، الذي غنى أيضاً لجاسم شهاب «أيا غالي يبو الموقة»، كما غنى له مصطفى أحمد «من غاب عني».
إن حديثنا اليوم عن شخصية وضعت بصمتها بالإذاعة والتلفزيون كجاسم شهاب هو لغرض بيان ثقافة من أسسوا الإعلام الكويتي ومستوى تحصيلهم العلمي، وليس كبعض من هب ودبّ هذه الأيام ومن اكتشفنا فضيحة شهاداتهم المزورة، أما شهاب فقد حصل على البكالوريوس كخريج أول دفعة لكلية إعلام أنشأتها جامعة القاهرة عام 1974، وبعدها درس الماجستير لمدة عام، ثم عيّن مساعداً للملحق الصحافي بسفارة الكويت في القاهرة، وكان قبل هذا كله قد أسس الإذاعة الشعبية بوزارة الإعلام عام 1964، ثم أصبح مديراً لتلفزيون الكويت في دبي بالإمارات بين عامي 68 و1970.
ومن بين أشهر لقاءات شهاب الإعلامية التي أثارت الاهتمام على المستوى العربي المقابلة التلفزيونية الوحيدة التي أجراها رياض السنباطي، بعد أن أقنعه السيد جاسم وجاء به للكويت، وبعد وفاة السنباطي أهداها تلفزيون الكويت لتلفزيون القاهرة، ولكن تم دبلجتها بوضع الفنان سمير صبري بدلاً منه في شريط التصوير التلفزيوني، ثم اعتذر التلفزيون المصري بعدها.
تاريخ رحل وتبقى ذكرى شخصيات وطنية أسست الإعلام الكويتي المتميز على مستوى الخليج آنذاك، ليتركوا أثراً لا يزال الناس يرددونه مثل كلمات جاسم شهاب.
*** إن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي.