رياح وأوتاد: المهمة سهلة... فكيف إذا كانت مستحيلة؟!
بعد عودتي من السفر زرت عدداً من الديوانيات في مناطق مختلفة، ولاحظت أن جانباً كبيراً من الحديث فيها يدور حول قرار الحكومة بالتوقيع على الانصراف والحضور في العمل الذي أصبح ثلاثة توقيعات، وكان هناك المؤيد والمعارض، وكانت أهم وجهات النظر المعارضة ترتكز على ضيق أماكن بعض الجهات الحكومية وعدم وجود مكاتب ولا أعمال معيّنة يقومون بها، بينما رأيت بدوري أن الالتزام بالدوام واجب شرعي ووطني، وعلى الحكومة أن تضمن تواجد الموظف وانضباطه في الدوام، ولا يعقل أن تنص الخطة الخمسية على تشجيع الكويتي على العمل في القطاع الخاص الذي يتميز بالالتزام بالدوام والانضباط في العمل والإنجاز والإنتاج مع وجود قطاع عام لا توجد فيه هذه الصفات والخروج منه متيسر.
ولكن في نفس الوقت أيضاً لا يجوز أن يتكدس الموظفون في أماكن لا تتسع لهم وبلا عمل منتج، ولا شك في أن الوضع سيزداد تفاقماً إذا استمرت الحكومة هي الموظِّف لنحو 95 في المئة من مخرجات التعليم، خصوصاً في المهن غير المطلوبة، إذ سيزداد التكدس وتتضخم أعداد البطالة المقنعة، وتتعطل مصالح المواطنين.
وإذا كان ضبط الدوام هو القرار الأساسي والأسهل، فإنه يجب أن تتبعه قرارات تكميلية مثل نقل بعض الموظفين إلى أماكن الاحتياج، وإعادة تدريبهم وتجهيز المقار المناسبة لهم، مع سرعة وضع التوصيف الوظيفي وتحديد الصلاحيات والمسؤوليات.
وإذا كان قرار مبدئي، مثل قرار الالتزام بالدوام، قد واجه مثل هذا الاعتراض واللغط، فكيف ستكون الحال إذا أقدمت الحكومة على قرارات الإصلاح الاقتصادي والإداري الكبيرة والمهمة، مثل إصلاح آلية سوق العمل، وتنفيذ قانون الخصخصة (الصادر عام 2010، أيام الأربعة أصوات)؟ أو قامت بحصر مخرجات التعليم والبعثات باحتياجات سوق العمل؟ أو توجيه العمالة الكويتية التي لا حاجة إليها في الحكومة للعمل بالقطاع الخاص، أو القبول بالأعمال الميدانية والفنية واليدوية المهمة والمطلوبة في الحكومة بدلاً من الأعمال الإدارية؟
لا شك في أن قرارات مثل هذه لن تكون سهلة أو شعبوية، خصوصاً في بدايتها، وستواجه بمعارضة أكبر وأشد، وبتحريض مكشوف، وستكون أشبه بالمهمة المستحيلة، فهل ستقدم عليها الحكومة؟