في وقت تتصارع دول العالم المتحضر على استقطاب الخبرات والكفاءات الحقيقية القادرة على إفادتها اقتصادياً وعلمياً دون التفات لشهادة، قد يكون صاحب الكفاءة ضل طريقه إليها أو تركها مجبراً لظروف حالت دون حصوله عليها، تنصِّب الهيئة العامة للقوى العاملة نفسها وصية على شركات القطاع الخاص، عبر العبث بمسميات العاملين بالقطاع، من خلال ربط التوصيف المهني للعامل بالمستوى التعليمي، مما أدى إلى منع أذونات العمل عمن لا يتمتع بهذا المستوى العالي الذي يصوره لها خيالها، حارمة سوق العمل من المهَرة أصحاب الخبرات الحقيقية!
وأفاد مراقبون بأن هذا المعيار الذي تراه الهيئة صواباً لو أنه طبق على بيل غيتس مؤسس شركة مايكروسوفت التي تتخطى قيمتها السوقية 3.113 تريليونات دولار، ولاري إليسون مؤسس «أوراكل» التي تتجاوز قيمتها 380 ملياراً، على افتراض أنهما بدآ حياتهما في الكويت، لمنعت الهيئة إذني عملهما بالقطاع الخاص، لعدم حيازتهما شهادة جامعية، من باب الحرص على رفع مستوى كفاءة العاملين!
واستغرب المراقبون أن تحارب الهيئة شركات القطاع في إصرار غريب على إنفاذ «فرمان» مبهم الغاية، أصدرته دون محاولة دراسة تأثيره على مصالح تلك الشركات، التي هي في نهاية الأمر لمصلحة الكويت، متسائلين: «هل ستكون القوى العاملة أحرص على مصلحة صاحب العمل من نفسه، وهل تعتقد أنه سيبدد أمواله هباء على عمال لا قيمة عملية لهم عنده؟!».
وأكدوا أن قرارات الهيئة تجعل الكويت بيئة غير محفزة للعمالة الماهرة، مبينين أنه في منطق مقلوب بات حتى على من يمارس مهنة كالتصوير الصحافي أن تكون لديه شهادة جامعية، ولو كانت لديه خبرة سابقة في «واشنطن بوست» أو «نيويورك تايمز»، وفي المقابل يمكن لمن يحمل تلك الشهادة أن يعمل بتلك المهنة ولو لم يكن يجيد التقاط صورة واحدة.
وتساءلوا: بأي ذنب تلغى من النظام الآلي مئات المهن التي كانت متاحة أمام العمالة الوافدة، مع رفض معاملات تجديد إقامات عشرات الآلاف منهم على ذات المسميات التي اكتسبوها في أذونات عملهم لسنوات ماضية تجاوزت الـ 15 عاماً في بعضها؟
وأوضحوا أن هذا القرار أحدث «ربكة» واسعة لدى السواد الأعظم من شركات القطاع الأهلي، على صعيد تجديد أذونات (إقامات) العمالة المسجلة على ملفاتهم لفقدهم مسمياتهم المهنية، دون إيجاد بديل وحلّ وسط يحفظ أبسط حقوق هذه الشركات في اختيار مهن عمالتها، ولا يلحق الضرر بهذه العمالة، الذي وللأسف لن يقف عند حد فقدان «المسمى» فقط، بل قد يذهب إلى أبعد من ذلك، ويترتب عليه فقدانهم امتيازات أخرى مُنحت لهم بموجب هذه المسميات على سبيل المثال لا الحصر «رُخص السوق» وغيرها من الامتيازات.
وأكد هؤلاء المراقبون أن مثل هذه الإجراءات، التي دأبت «القوى العاملة» على اتخاذها بالأعوام القريبة الماضية، إنما هي امتداد لنظيراتها العشوائية، التي ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب وتفسد أكثر مما تصلح، وتعدّ تدخلاً سافراً مرفوضاً في صلاحيات الشركات العاملة في القطاع الأهلي، لاسيما الكُبرى منها ذات التاريخ العريض في خدمة البلاد، دون أدنى اعتبار لمصلحة هذه الشركات أو ظروفها أو حتى محاولة دراسة تأثير مثل هذه القرارات على مصالحها التي هي في نهاية الأمر لمصلحة الكويت.
وأضافوا أن جميع الشركات في القطاع الخاص تدعم وبقوة أي توجه انفتاحي قانوني من شأنه الارتقاء بسوق العمل المحلي، كما تؤيد استحداث الأنظمة التي ترقى به وتحسن جودة بيئة الأعمال، غير أن الواقع الفعلي جراء مثل هذه القرارات التي تؤخد دون إشراك أهم عناصر إنجاح العلاقة التعاقدية في المنظومة، يشير إلى سوق منهك ضعيف بلغ مرحلة المرض.
وأكدوا أنه من غير المنطقي انفراد الجهات الحكومية باتخاذ مثل هذه القرارات المصيرية التي تزيد عُزلة الكويت إقليمياً وتحجم إسهامات العمالة الوافدة لديها، بل وتدفعهم دفعاً إلى الهجرة لدول وبلدان مجاورة فتحت أبوابها على مصاريعها لاستقبالهم والاستفادة من خبراتهم، في حين يتفنن قياديو ومسؤولو «القوى العاملة» في إصدار القرارات، التي تؤكد مدى انفصالهم التام عما يعانيه السوق من مشكلات، والتي تضر ليس به فحسب، بل بالاقتصاد الكويتي عموماً.
وأشاروا إلى أن تداعيات هذه القرارات غير الحصيفة تضاعف ندرة العمالة المتخصصة والمهنية والفنية، مستشهدين بقرار عمالة الـ «60 عاماً» والذي حمل آلاف العمالة المهنية والفنية من أصحاب الخبرة الطويلة، غير القادرين على تحمل هذه التكلفة المرتفعة لرسوم القرار، على مغادرة البلاد بلا عودة، تاركين خلفهم فجوة كبيرة لم نستطع سدها حتى الآن، وهو ما تعكسه أيضاً أزمة «الخياطين» الأمر الذي أوقع ضرراً كبيراً على القطاع الخاص.
وناشدوا نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع وزير الداخلية الشيخ فهد اليوسف التدخل العاجل لوقف هذا «التغول» من قبل «القوى العاملة» على مصالح كيانات اقتصادية مستقلة، ملتزمة بالقوانين المنظمة لسوق العمل، وتطبق نسب توظيف العمالة الوطنية لدى الجهات غير الحكومية.
ونادى المراقبون بضرورة عدم إعطاء كل هذا الزخم للشهادة العلمية، لاسيما بعدما تسبب فيه هذا النهج بالقطاع العام من استشراء تزوير الشهادات وشرائها للحصول على الترقيات، مستغربين أن تسعى الهيئة إلى نشر هذا الفيروس في القطاع الخاص بعدما ثبتت مضاره البالغة في القطاع العام، فلماذا نعمد إلى «تجريب المجرب؟!».
SMS |
يبدو أن هيئة القوى العاملة، التي يفترض أنها منوطة بدور تنظيمي لتيسير انضباط أمور القطاع الخاص وإزالة العوائق من أمام التطوير، بالغت في صلاحيات هذا الدور، أو فهمته على نحو خاطئ، لتتحول إلى كيان سلبي يتحكم ويقيِّد ويعسِّر! |