الطفل ذلك المخلوق الضعيف وغير القادر على الدفاع عن نفسه ورفع صوته بالاحتجاج والمطالبة بحقوقه.

ذلك المخلوق الجميل البريء التلقائي والعفوي في ردود أفعاله.

Ad

ذلك المخلوق الذي يكتم أحزانه وهمومه ويعبّر عنها بالدموع وأحيانا بالنشيج والبكاء.

الطفل ذلك القابل دائماً للاضطهاد وتعرّضه الدائم للقهر والتجاهل.

هذا الطفل الذي قذفناه في مدارات الغربة الكئيبة، فهو لم يكن يوماً في صميم اهتمامنا على كل المستويات الحكومية والشعبية.

عن هذا الطفل أتكلم، وبالتحديد عن الطفل في مجتمعنا.

بدأنا في انتهاك طفولته عندما بنينا مدننا السكنية وخططناها دون حساب للطفل والطفولة، فقد كان الجشع والتوحش التجاري والمادي هو المسيطر، فخلقنا مدناً سكنية من بيوت متراصة محاذية لشوارع الأسفلت، من دون وضع مسافات وممرات آمنة لحماية المُشاة، وبيوت هذه المخططات غابت معها الساحات التي تصلح للَهو الأطفال وحركتهم، وعوضاً عن ذلك تم حشر الطفل في غرف البيت وحيداً، ومما زاد في وحدته انعدام الطرق الآمنة للمشي والانتقال، فتم إجباره على لزوم البيت، وبهذا وجّهنا أكبر ضربة لحاجاته الفطرية في تكوين علاقات الصداقة التي هي أرقي العلاقات وأسعدها في الحياة، فضلاً عن أن الصداقة تسهم في تنمية قدرات الطفل كشخص اجتماعي في التعامل مع الآخرين والشعور بقيمة الصداقة وتنمية العلاقات الإنسانية وتبادل الخبرات والمعلومات، كما أن هذه العلاقات تحفز فيه كمائن سعادته واطمئنانه وتفجّر منابع أُنسه بأصدقائه وشعوره بالتغيير والخروج من صقيع الوحدة والروتين والتحرر من ثقل الحدود، كل الحدود المكانية والزمانية والنفسية.

نعم، لقد قذفنا بالطفل في دائرة مكانية معوّقة لانطلاق حركة رجليه ويديه ولسانه وخياله ولهفة غريزته للاكتشاف الذاتي وتنمية مهارات التساؤل عنده وازدهار مشاعره، كما أن الطفل الغضّ بحاجة إلى الحركة والنشاط لنمو عضلاته وتحسّن أجهزته التنفسية بالركض والحركة وصحة قلبه، وبالتالي نموه النمو الطبيعي وتجنّب التوترات النفسية والتوحُّد.

قتلنا فيه كل مقومات طفولته وصلبنا كل تجليات إنسانيته، وبكل قسوة أجبرناه على عبور وحرق كل مراحل طفولته وتفتحات هذه الطفولة!

وهنا قد نتشدق بأن أطفال اليوم بعقول تفوق عقول الكبار في العصور الغابرة، ولا نعلم أننا بهذه المقولة نتبجح بإعدام الطفولة وإسقاطها!

خططنا مدناً ليست فيها مساحة وساحة (برايح) للطفولة، حتى بعض الحدائق المهجورة والخَرِبة ليست مصممة لحركة وتلقائية الطفولة، كما أنها مكسوة بعشب الثيِّل القبيح، دون فرشها بالتراب المحبب للأطفال، فقد تم تخييرهم بين العشب وكل أنواع المفارش، فاختار الأطفال الساحات الترابية بكل حميمية، ومن هنا ندرك حكمة الشرع الإسلامي الذي قنَّن هذا الأمر، بمنع الدولة من تملّك مراحات الأطفال، كما سطرته كتب بعض الفقهاء.

ولا أنسى لهفة الأطفال أثناء وباء كورونا، عندما اضطرت ظروف الحجر لخروج الأطفال والأهالي للمشي في الخارج، ليلتقي أطفال الأحياء بعضهم البعض، ويدفعهم شغف التواصل لطرق الأبواب لطلب لقاء أبناء جيرانهم! وذهب الوباء لينطفئ معه هذا الحلم الجميل، وينتشر وباء القطيعة والعزلة.

من هنا أقترح أن يتم إيكال أمر تأسيس وترتيب ورعاية البرايح للجمعيات التعاونية، وبدعم حكومي شامل، بحيث تتعاون الجهات الرسمية ذات العلاقة مع الجمعيات التعاونية في تسهيل كل إجراءات إيجاد مراحات ترابية للأطفال محاطة بكل ضمانات الأمان، عبر توفير معابر وطرق آمنة للمشي لسهولة الوصول إلى هذه البرايح بوضع المطبات ومراقبة الطرق بالكاميرات، ووضع غرامات للمخالفات الجسيمة، لتكون رادعة لأي مستهتر، وتوفير الملاعب للنشاط الرياضي للصغار والمراحل الشبابية من كرة قدم وطائرة، وتوفير ألعاب مدروسة متطورة حركية وألعاب تنمية الذكاء والمهارات.

مع توفير أطعمة ومشارب مفيدة يحبها الأطفال، وأيضا يضعها خبراء في الطبخ، ويلتزم بها أصحاب المطاعم والكافيهات التي تكون في شكل أكشاك جميلة وعربات أطعمة Food truck بعمالة وطنية، مع بيع ألعاب وملابس ملائمة لاحتياجات ممارسة الرياضة واللعب.

فنوفر بذلك أجواء مفرحة تكون متنفساً لكل الأعمار، ومحاضن للطفولة مراقبة من مختصين وذوي خبرة في علم النفس!