عبر «الجريدة» وخلال الأسابيع وربما «السنوات» القادمة، سأدون سلسلة من المقالات المتخصصة حول أهم الأحكام القضائية الصادرة عن المحكمة العليا البريطانية... نسأل الله التوفيق.
***
تعتبر وسيلة الطيران إحدى الوسائل العصرية للتنقل فيما بين الدول، ومما لا شك فيه أن هناك ما يترتب على تلك الوسيلة من التزامات وحقوق، وتعد قضية الزوجين «ليبتون» إحدى صور تجذر ورسوخ القواعد القانونية في المنظومة القانونية البريطانية.
وتتلخص القضية في قيام الزوجين بحجز تذاكر على متن رحلة جوية من مطار مدينة ميلانو إلى مطار مدينة لندن في 2018م، تديرها إحدى شركات الطيران، إلا أن الرحلة تم إلغاؤها دون سابق إنذار، وادعت الشركة أن الطيار لم يحضر للعمل بسبب المرض، ولم يكن من الممكن العثور على طيار بديل، على أثر ذلك أعاد الزوجان حجز رحلة بديلة، وهبطت الطائرة في لندن بعد ما يزيد على ساعتين ونصف الساعة من موعدهما المقرر.
طالب الزوجان ليبتون بما يعادل 220 جنيهاً إسترلينياً كتعويض منصوص عليه باللائحة المعتمدة قانونياً فيما بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشأن تعويضات رحلات الطيران الملغاة، إلا أن الشركة عللت رفضها تقديم التعويض بالاستناد إلى خروج المملكة المتحدة من الاتفاقية الأوروبية في ذات عام إقامة الدعوى!
دارت العديد من الجولات القضائية بين الأطراف، إلا أن المحكمة العليا كانت صاحبة القرار الحاسم في عام 2024م، إذ قضت لمصلحة الزوجين مع رفض طعن شركة الطيران المسبب والمودع أمام المحكمة العليا للأسباب التالية: ترى المحكمة العليا بالإجماع أن عدم حضور الطيار بسبب المرض كان جزءاً متأصلاً من نشاط الشركة، فاعتبرت شركة الطيران «وحدة إدارية» متضامنة فيما بين طواقمها، فلا يمكن تقسيم عمل كل عامل بالشركة بأنه عمل منفصل عن الآخر بغاية «حفظ» حقوق المستهلكين، وأكدت أن كل أعمال الشركة تحسب على الإدارة التنفيذية لها فتوجب تعويض المتضررين منها!
ورغم إشكالية القانون المطبق، أكدت المحكمة التزام المملكة بتطبيق لائحة التعويضات المعتمدة من الاتحاد الأوروبي في أرجاء عموم المملكة المتحدة والأقاليم التابعة لها خلال الفترة الانتقالية (الانسحاب).
آخر سطر
تحتاج القضايا ذات الآثار الاجتماعية للكثير من المنطق والبحث والتأني.
* باحث في القانون