أعتقد أننا نتفق بالإجماع على حق المرأة في التعليم والعمل لتحقيق ذاتها، وقد نختلف قليلاً على بعض الحريات، كالملبس وأسلوب الحياة، لكننا لا نزال نتفق على أغلب الخطوط العريضة.

أعطى القانون الكويتي المرأة غالبية حقوقها مع بعض الاستثناءات التي لسنا بصدد ذكرها الآن، إذاً يبدو لي أن «المشكل» ذو طابع اجتماعي، ويعتمد كثيراً على «حظ» الفتاة في أي عائلة تكون قد ولدت، أو على شجاعتها وكياستها في الحصول على المزيد من حقوقها.

Ad

هنا يظهر دور الإعلام والتوعية الاجتماعية كي تجعل المجتمع أكثر تقبّلاً لحصول المرأة على قدر أكبر من الحريات والحقوق، من دون أن نصبح نسخة مكررة من نسوية الغرب المشوهة.

أما النسوية هنا، مع الأسف، ففي طرحها الكثير من الإشكاليات والتناقض، فالنشاط النسوي يكاد يقتصر على «النضال الإلكتروني» الغاضب على منصات التواصل الاجتماعي، من دون وجود حراك منظم أو أهداف واضحة، يسودهن السخط على الرجل ولوم النظام الأبوي على كل شيء، دون توفير البديل المناسب أو رؤية ما آل إليه الغرب من تفكك أسري وانحلال أخلاقي، لذا أصبحت كلمة «نسوية» مدعاة للسخرية بسبب قلة الإنجاز والطرح العاطفي المشحون!

لنرجع في الزمن إلى الوراء قليلاً... إن أكبر قامع للمرأة هو جسدها ووضعها البيولوجي، ولم تتمكن من العمل خارج المنزل إلا بعد حدوث تغييرات كبرى، مثل تكنولوجيا تحديد النسل وتحوّل طبيعة العمل من المجهود الجسدي إلى الذهني.

كانت النساء يعملن في المنازل ما قبل الثورة الصناعية، فكن يحكن الأنسجة ويقمن بتصنيع المواد الخام، التي يأتي بها الرجل إلى مختلف الأطعمة والمستلزمات، وكان ذلك التنظيم يسمح بوجودهن بجانب أطفالهن ومشاركتهن نساء أخريات مسؤولية التربية بصورة جماعية.

ولماري هارنغتون Mary Harrington كتاب رائع تسرد فيه تاريخ المرأة والنسوية، ومدى خطورة المنحى الذي تتجه إليه حالياً، حيث سعت النسوية الغربية إلى إذابة وإنكار جميع الفروق بين المرأة والرجل، وكان هذا الفكر بمنزلة «حصان طروادة» لتطبيع المثلية والشذوذ.

ثم من قال إن الرجل ليس مقموعاً؟! حيث تقع على عاتقه الكثير من المهام الصعبة، كالعسكرية ومكافحة الجرائم وبناء الصروح وتوليد الطاقة وأعمال المجاري، وغيرها، فلم يكن له في السابق رفاهية اختيار وظيفة معيّنة، بل كان همّه الأكبر توفيرالحياة الكريمة لعائلته.

ومن المثير للاهتمام أن المرأة هي التي قامت باختيار الرجل القوي تاريخياً من منظور علم النفس التطوري، حيث كان أفضل ضمان لحمايتها وبناء مجتمع مستقر، وذلك وفقاً لديفيد باس David Buss، الذي لديه العديد من الكتب التي تتناول الفرق بين سلوك الرجل والمرأة من منظور بيولوجي واجتماعي.

لا ننكر أنه حصل بالفعل نوع من الظلم بحق المرأة في السابق، بسبب تقسيم الأدوار هذا، فنحن بحاجة إلى ذلك الصوت الأنثوي في الإسهام الإنساني من علوم وأدبيات وفنون، لكن الحل ليس في الصراخ وعيش دور الضحية، ولا لوم الرجل وتقليد النسوية الغربية التي سببت انهيار المجتمع الغربي، بل في التعاون مع الرجل في علاقة تكاملية، ونشر المزيد من الوعي حول أهمية استقلال المرأة ودورها في المجتمع.