بذلت الدبلوماسية الأميركية في الساعات الأخيرة جهوداً حثيثة، ساهم فيها الرئيس الأميركي جو بايدن بنفسه، لمنع انهيار مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وضرورة عقد جولة أخرى في القاهرة، وذلك مع ارتفاع جديد لاحتمالات اندلاع مواجهة إقليمية واسعة بين إيران وحلفائها من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى.
وبعد اتصال بين بايدن ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، حثّ فيه الرئيس الأميركي على ضرورة استئناف المفاوضات وإطلاق الرهائن في غزة، قالت المبعوثة الأميركية لدى الأمم المتحدة، في جلسة بمجلس الأمن مخصصة لتطورات الشرق الأوسط، إن اتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق الرهائن «يلوح الآن في الأفق».
في المقابل، أنهى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن جولته الإقليمية بزيارة إلى الدوحة، شدد خلالها، وفق بيان «الخارجية» الأميركية، على ضرورة عدم إقدام أي طرف في المنطقة على أي خطوة من شأنها نسف المفاوضات بالكامل، في إشارة - على ما يبدو - إلى ارتفاع لهجة التهديدات الإيرانية بعد أسبوعين من انخفاض نسبي في حدتها.
وأفادت وسائل إعلام إيرانية، أمس، بأن رئيس الحكومة القطرية، وزير الخارجية محمد بن عبدالرحمن، سيزور طهران الاثنين، ليبحث مع المسؤولين الإيرانيين تطورات المنطقة.
وأفادت مصادر بأن الوزير القطري سيحاول إقناع طهران بتأجيل جديد للرد الإيراني المرتقب على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في طهران، ومنح المفاوضات الوقت الذي تحتاجه، لأن البديل عن ذلك يعني انزلاق المنطقة إلى مواجهة لا أحد يمكنه توقّع نتائجها.
وفي دليل على نجاح جزئي لجهود الدبلوماسية الأميركية، عقدت أمس في مصر محادثات جمعت مسؤولين إسرائيليين ومصريين وأميركيين بشأن محور فيلادلفيا الحدودي بين مصر وإسرائيل.
وفي مؤشر آخر على عودة التوتر، أعلنت القيادة الوسطى الأميركية (سنتكوم)، أمس، وصول حاملة الطائرات «يو إس إس أبراهام لينكولن» المجهزة بمقاتلات من طراز F35، يرافقها أسطول المدمّرات «ديسرون 21» إلى منطقة الشرق الأوسط، لتنضم إلى حاملة الطائرات التي وصلت في وقت سابق، بهدف الاستعداد لصد أي هجوم إيراني محتمل ضد إسرائيل.
وجاء ذلك مع توسّع المواجهات بين حزب الله وإسرائيل في اليومين الأخيرين، نوعاً وكمّاً، ومع توعّد جديد من قبل حليف إيران في اليمن، عبدالملك الحوثي، بأن رداً شاملاً من قبل محور المقاومة الذي يضم إيران وحلفاءها مُقبل لا محالة، وأن التخطيط لإيلام إسرائيل هو السبب في تأخر هذا الرد حتى الآن.
وفي تفاصيل الخبر:
سعى الرئيس الأميركي جو بايدن لإنقاذ فرص التوصل إلى اتفاق من أجل تبادل الأسرى ووقف النار بغزة، عبر إجراء مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حثّه خلالها على المشاركة في جولة منتظرة بالقاهرة، قد تكون الأخيرة بهدف سد الفجوات بشأن الصفقة المحتملة مع «حماس».
وأكد «البيت الأبيض»، أمس، أن بايدن شدد في الاتصال الهاتفي الذي شاركت به نائبته المرشحة الرئاسية الديموقراطية كامالا هاريس، على الحاجة الملحّة إلى إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة مقابل الإفراج عن الرهائن، ووصف المحادثات المرتقبة بأنها حاسمة. وناقش بايدن ونتنياهو المحادثات المقبلة في القاهرة الرامية لإزالة أي عقبات متبقية والجهود الدبلوماسية لخفض التصعيد في المنطقة.
وأضاف البيت الأبيض، أن بايدن ونتنياهو ناقشا الجهود الأميركية لدعم إسرائيل في وجه كل التهديدات من جانب إيران والجماعات الإرهابية التي تعمل بالوكالة عنها «حماس» وحزب الله والحوثيون، بما في ذلك الانتشار العسكري الدفاعي الأميركي المستمر بالمنطقة.
وذكرت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، أمس، أن بايدن أكد أنه سيرسل مبعوثه الخاص للشرق الأوسط، بريت ماكغورك، إلى العاصمة المصرية لضمان عقد المفاوضات، التي يخشى من انهيارها، واستمرار الاتصالات التي تتم بمشاركة مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية ويليام بيرنز ونظيريه المصري عباس كامل والإسرائيلي دافيد برنياع، إضافة إلى رئيس الوزراء وزير خارجية قطر محمد بن عبدالرحمن.
ألاعيب وتقديرات
لكن هيئة البث العبرية نقلت عن مصدر سياسي إسرائيلي أن «رئيس الوزراء لم يغيّر موقفه من ضرورة السيطرة والوجود الإسرائيلي في محور فيلادلفيا، الفاصل بين غزة ومصر، مع عرض تقليل عدد القوات الموجودة به لا سحبها».
ونقلت الهيئة عن المصدر قوله: «وصلنا مع الأسف إلى مرحلة لعبة اللوم، فكل طرف يتصرف وكأن هدفه إظهار الطرف الآخر مذنباً»، إذ تصرّ «حماس» على إنهاء الحرب، وانسحاب الجيش الإسرائيلي تماماً من القطاع وحرية عودة النازحين إلى مناطقهم، ضمن أي اتفاق لتبادل أسرى، فيما يتمسك نتنياهو باحتلال المحور الحدودي.
ووسط دوامة من الألاعيب بين طرفي الأزمة لتحقيق مكاسب سياسية ودعائية عبر بنود الصفقة المحتملة، نقلت «يديعوت أحرونوت» عن حوار بين مسؤول مصري وأميركيين أن زعيم «حماس» يحيى السنوار طلب ضمانات بعدم اغتياله لإتمام تبادل الأسرى، مع اشتراط وقف إطلاق النار.
ووسط خلافات بين طاقم التفاوض الإسرائيلي وقيادته السياسية المتشددة، بشأن هامش المناورة والتنازلات التي يمكن أن تمنح للحركة الفلسطينية مقابل إطلاق سراح الرهائن المحتجزين بالقطاع، نقلت الصحيفة العبرية عن مصادر مطلعة أن «بلينكن ألحق ضرراً كبيراً بالمفاوضات بعد إعلانه قبول نتنياهو المقترح الأميركي الأخير لسد الفجوات» رغم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يصرّ على وضع اشتراطات تجعل إتمام الصفقة من شبه المستحيل.
وفي السياق ذاته، نقلت «تايمز أوف إسرائيل» عن مسؤول عربي بدولة وسيطة، أنه «لا جدوى من عقد اجتماع القاهرة إلا إذا ضغطت واشنطن على نتنياهو»، معتبراً أن «تصريحات بلينكن المثيرة للحيرة وضعت (حماس) بشكل غير دقيق على أنها من يعرقل الصفقة».
ومع استعصاء فك الاشتباك بين خطوط «حماس» وإسرائيل الحمر، وشعور الوسطاء بالإحباط، نقلت «واشنطن بوست» عن مسؤولين أميركيين أن تقديراتهم تشير إلى أن الحركة الفلسطينية وزعيمها المحاصر داخل الأنفاق يقبل الاتفاق المعدل، رغم إعلانها الرسمي رفض «الإملاءات الأميركية الأخيرة أو التفاوض بشأنها»، ومطالبتها بوضع جدول تنفيذي لما قبلته في 2 يوليو الماضي.
وأعرب المسؤولون عن اعتقادهم بأن الحركة تلعب لعبة الانتظار، ربما على أمل أن تهاجم إيران أو «حزب الله» إسرائيل بشكل مكثف، للانتقام لاغتيال إسماعيل هنية وفؤاد شكر، وبالتالي تحويل ساحة المعركة.
وأشاروا إلى أن إيران، التي تم ردعها عبر استعراض القوة والحشد العسكري الأميركي المتواصل بالمنطقة، «من المرجح أن تخيّب أمل حماس وترجئ الانتقام لاغتيال هنية، مع اللجوء إلى خيار الدفع بحزب الله اللبناني للتصعيد».
استياء قطري
وجاء ذلك بعد زيارة سريعة قام بها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى الشرق الأوسط، حيث اختصرت من الدوحة، وسط تقديرات تشير إلى استياء قطري من إدخال تعديلات قيل إنها تتماشى مع رغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي، على مسودة الصفقة الأصلية التي طرحها بايدن وقبلتها «حماس» مطلع يوليو الماضي.
وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، أمس، أن بلينكن الذي انطلق في جولة إقليمية، للدفع باتجاه إبرام الصفقة، شملت إسرائيل ومصر، كان من المقرر أن يلتقي أمير قطر تميم بن حمد، لكن عقب وصوله إلى العاصمة القطرية الدوحة لم يعقد اللقاء الذي كان مقرراً الثلاثاء الماضي من دون إبداء أسباب رسمية لذلك.
ونقلت الشبكة البريطانية عن مسؤول أميركي قوله، إن أمير قطر شعر بوعكة صحية، وأنه تم الاستعاضة عن اللقاء بمحادثة هاتفية أفادت «الخارجية» الأميركية، أمس، بأنها تناولت «الجهود الجارية بشأن مفاوضات وقف إطلاق النار لتخفيف معاناة غزة وضمان الإفراج عن الأسرى».
والتقى بلينكن في الزيارة القصيرة للدوحة وزير الدولة بوزارة الخارجية القطرية، محمد الخليفي، ضرورة التهدئة وخفض التصعيد في المنطقة.
وقبل مغادرته العاصمة القطرية، تلقى الوزير الأميركي اتصالاً من رئيس الوزراء وزير الخارجية محمد عبدالرحمن آل ثاني، الذي يقوم بزيارة لأستراليا ونيوزيلندا.
في غضون ذلك، ذكرت وكالة تسنيم الإيرانية أن رئيس الوزراء القطري سيزور إيران في الأيام المقبلة لإجراء مشاورات مع مسؤولين من بينهم وزير الخارجية الجديد عباس عراقجي.
وتأتي زيارة آل ثاني المرتقبة في وقت تواصل طهران و«حزب الله» اللبناني المتحالف معها التهديد بشن ضربات كبيرة ضد إسرائيل للانتقام لمقتل هنية وشكر.
وأمس، أعلنت القيادة الوسطى الأميركية «سنتكوم» وصول حاملة الطائرات «يو إس إس أبراهام لينكولن» المجهزة بمقاتلات من طراز F35 يرافقها أسطول المدمِّرات «ديسرون 21» إلى منطقة الشرق الأوسط، لتنضم إلى حاملة الطائرات التي وصلت في وقت سابق، بهدف الاستعداد لصد أي هجوم إيراني محتمل ضد إسرائيل.
زيارة عباس
إلى ذلك، أصدر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، مرسوماً رئاسياً بتشكيل لجنة للتحضير للذهاب إلى غزة.
وفي تعليق على تقرير عن رفض اسرائيل طلباً من عباس للسماح له بزيارة غزة،
أكدت مصادر أن السلطة طلبت بالفعل من إسرائيل المساعدة في الزيارة غير أنها لم تتلق أي جواب حتى الآن.
ضحايا واعتقال
من جانب آخر، قُتل 11 فلسطينياً معظمهم من الأطفال والنساء وأصيب آخرون، في قصف إسرائيلي استهدف منزلاً في بيت لاهيا شمال غزة، فيما زعم جيش الاحتلال أنه الجيش قتل نحو 50 مسلحاً في رفح على مدار الـ 24 ساعة الأخيرة.
وفي الضفة الغربية، تسبب قصف إسرائيلي على منزل بمخيم طولكرم بمصرع شاب، فيما اعتقلت سلطات الاحتلال 4 إسرائيليين بينهم قاصرة يشتبه بـ «ضلوعهم في حوادث إرهابية ضد فلسطينيين» خلال الهجوم الدامي الذي شنّه مستوطنون على قرية جيت قبل أسبوع.