وجهة نظر : الرئيس التنفيذي المناسب للمرحلة
تطرق د. أسواث داموداران في أحدث كتبه إلى أنه مع تطور الشركات عبر مراحل مختلفة من دورة حياة أعمالها، تتغير المهارات والاستراتيجيات المطلوبة من الرئيس التنفيذي بشكل كبير. ترتبط فعالية الرئيس التنفيذي ارتباطاً وثيقاً بمرحلة دورة حياة الشركة. يمكن أن يؤدي عدم التوافق بين نقاط قوة الرئيس التنفيذي واحتياجات الشركة إلى اختلال استراتيجي وعدم كفاءة تشغيلية وضياع فرص نمو مما قد يؤدي إلى الفشل.
في مرحلة البدء المبكرة، تزدهر الشركات الناشئة في ظل رؤساء تنفيذيين أصحاب نظرة مستقبلية وبصيرة، يتحملون المخاطر ويسعون إلى تحقيق النمو. ينصب تركيزهم على الابتكار والإبداع والدخول السريع إلى السوق. ومع ذلك، فإن هذه الصفات نفسها يمكن أن تنقلب الى التزامات مع نضوج الشركة. قد يواجه الرئيس التنفيذي المقدم على المخاطر صعوبة في تنفيذ العمليات المنضبطة اللازمة للنجاح خلال مراحل النمو أو النضج بالمستقبل.
ومع دخول الشركة مرحلة النمو، يتحول التركيز من الرؤية إلى التنفيذ، وهنا يعد وجود رئيس تنفيذي يركز على العمليات أمراً بالغ الأهمية. يجب عليهم توسيع نطاق الأعمال وتحسين العمليات وإدارة فرق التوسع. إذا ظل صاحب الرؤية على غرار الشركات الناشئة على رأس الشركة، فقد تواجه الشركة أوجه قصور تشغيلية أو مخاطر التوسع المفرط، مما يعوق في النهاية إمكانات نموها وتحقيقها للأهداف المرجوة.
خلال مرحلة النضج، يعتمد نجاح الشركة على الحفاظ على الكفاءة واستدامة الربحية. الرئيس التنفيذي المثالي في هذه المرحلة هو المدير الاستراتيجي الذي يمكنه تحسين الموارد وإدارة التكاليف واستكشاف فرص النمو الإضافية. ومع ذلك، إذا ظل الرئيس التنفيذي الذي يركز على النمو في منصبه، فقد يعاني من تباطؤ الوتيرة ويركز على الكفاءة، مما قد يؤدي إلى ضياع الفرص أو الإفراط في الاستثمار في مشاريع غير مجدية.
في مرحلة التراجع، تحتاج الشركة إلى متخصص في التحول - شخص ماهر في إدارة الانكماش وتقليص الأعمال، والحفاظ على القيمة. هناك رؤساء تنفيذيون معروفون بإدارة الأزمات أو التحول من مرحلة الإفلاس والتصفية. قد يفتقر الرئيس التنفيذي الذي تفوق خلال مرحلة النمو أو النضج إلى المهارات اللازمة لتجاوز هذه الفترة الصعبة، مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات سيئة أو الفشل في التكيف مع البيئة المتغيرة.
هناك عدد من الأمثلة لرؤساء تنفيذيين نجحوا في تلك الفترات والمراحل لشركاتهم، ستيف جوبز (شركة أبل)، أيلون ماسك (شركة تسلا)، مارك زوكربيرغ (شركة ميتا) هم أمثلة على رؤساء تنفيذيين ذوي رؤية وابتكار. أما جيف بيزوس (شركة أمازون) فهو مثال للنجاح في النمو والتركيز على إدارة العمليات، بالمقابل اندرا نويي (شركة بيبسي) وتيم كوك (شركة أبل) فهم أمثلة على النجاح في مرحلة النضج، إذا أردنا النظر في قصص نجاح لرؤساء تنفيذيين في مرحلة التراجع والتحول وإدارة الأزمات فيمكننا الاطلاع على تجربة لي لاكوكا (شركة كرايزلر) وألان مولالي (شركة فورد) على سبيل المثال لا الحصر.
جميع ما سبق، من الممكن أن ينطبق أيضاً على قيادات الجهات والمؤسسات الحكومية، فلكل مؤسسة عمر ومرحلة تتطلب من يحسن إدارتها وتطبيق ما هو مطلوب لتحقيق الأهداف، على سبيل المثال إذا كانت الدولة في مرحلة بداية العمل لتحقيق رؤية طموحة فستحتاج إلى قيادات مبتكرة ذوي إبداع ونظرة مستقبلية تختلف عن قيادات لجهات أخرى قد تحتاج إلى محاسبة ومحاربة فساد، هناك جهات ناضجة مستقرة لن يصلح بالضرورة لإدارتها قيادي نقاط قوته وتميزه في إدارة مؤسسات في مراحل البداية والنمو. هناك من يتميز في التأسيس والتخطيط والإبداع، وهناك من يتميز في التنفيذ، وهناك من لديه الجرأة في التقليص والتصحيح والمواجهة. قد يمتلك عدد نادر من الرؤساء التنفيذيين المهارات والخصائص المطلوبة للتميز في أكثر من مرحلة في دورة حياة الشركة. يجب على مجالس إدارات الشركات أن تدرك متى يكون التغيير في القيادة ضروريا لمواءمة مهارات الرئيس التنفيذي مع التحديات المتطورة التي تواجهها الشركة في هذه المرحلة.
* أستاذ مشارك في قسم التمويل والمنشآت المالية - جامعة الكويت