‏للسياسة أهداف عديدة ومتنوعة تختلف باختلاف التوجهات والأيديولوجيات السياسية، بعضها أهداف إنسانية راقية تهدف إلى المحافظة على أمن وسلامة الإنسان ونموه وتطوره وتعاون العنصر الإنساني لما فيه خير للبشرية جمعاء، أما البعض الآخر من الأهداف السياسية فربما يهدف إلى عكس ذلك تماماً، ولذا قيل إن «السياسة قذرة»، حيث إن بعض السياسيين لا يقيمون قيمة وقدراً للقيم والمبادئ الإنسانية، بقدر تحقيق أهدافهم السياسية، لذا يقوم بعض الساسة بالتلاعب بالإنسان وجعله وقوداً لمصالحهم ومحطة تجارب لبعض الأفكار والأهداف السياسية الآنية والضيقة، وفي كثير من الأحيان يكون نهج السياسيين «الغاية تبرر الوسيلة»! وأصبح العبث بمشاعر وقيم الإنسان وقدراته ومهارته قبل نضوجها ووصولها إلى مراحلها العمرية هدفاً لبعض الساسة!

وفي اعتقادنا يعتبر هذا السلوك والتصرف هدماً وليس تطويراً لقدرات ومهارات وسلوكيات الإنسان بشكل طبيعي! بل في اعتقادي أنها جريمة بشرية يستحق مرتكبوها العقاب!

Ad

من منّا ‏لم يكن يحلم عندما كان صغيراً في سن الخامسة أو العاشرة من عمره بأن يصبح طبيباً أو مهندساً أو لاعباً في المنتخب الوطني أو طياراً أو أستاذاً في الجامعة؟! هل مجرد الرغبة لديّ كطفل بأن أكون طياراً وموافقة والديّ وولي أمري على هذه الرغبة يعطياني الحق بأن أصعد إلى كابينة قيادة الطائرة في هذا العمر وأقود طائرة كلفت الدولة الملايين، وفيها عدد كبير من البشر وبتخصصات نادرة ‏وفيها أمهات لأيتام، وقادة لمؤسسات وعلماء ومفكرون في مختلف المجالات والتخصصات العلمية والفنية والعسكرية والطبية الدقيقة، استثمرت الدولة فيهم مئات الملايين من الدنانير، ويجلس في هذه الطائرة أطفال وشباب في عمر الورد نعدهم لقيادة المستقبل! هل من الرشد والحكمة والمنطق أن نجعل هذا الطفل الذي لم يتجاوز عمره السنوات العشر يغامر بقيادة هذه الطائرة، لأنه يحلم بأن يصبح طياراً، وذلك بناءً على رغبة وموافقة ولي أمره الذي يتمنى أن يصبح ابنه طياراً قبل الأوان، لأنه يريد أن ينافس ابن الجيران الذي فاقه بعدة سنوات في العمر والتدريب والخبرة في قيادته للطائرة والتدريب والتمرس على أعمال الملاحة الجوية؟!

هل يغامر الوالدان بالانضمام للرحلة التي سيقودها ابنهم «طيار المستقبل»، أم أنهم سيفكرون عدة مرات قبل صعودهم إلى سلّم الطائرة التي يقودها ابنهم «طيار المستقبل» الذي لم ينضج ولم يجهز بعد لقيادة الطائرة؟!

هناك مثل يقول Raise him to the level of failure! بمعنى رقّه لمستوى الفشل! أو انقله لمستوى أعلى من مستواه وأكبر من قدراته ومؤهلاته الحقيقية ومهارته الفعلية لكي يفشل، وهذا المثل والقول - مع الأسف الشديد - مطبق عملياً عندنا بالكويت، سواء بقصد أو من دون قصد! حيث تتم ترقية ‏العديد من الموظفين لمناصب قيادية ووظائف لا يملكون الحد الأدنى من المؤهلات ولا القدرات ولا الخبرات ولا المهارات الواجب توافرها بهم للقيام بهذه الوظيفة! فتكون النتيجة الطبيعية هي ليس فقط فشل الموظفين الذين تمت ترقيتهم بهذا الأسلوب ولهذه الوظيفة، بل فشل الإدارات والأجهزة والوزارات التي يديرونها! والفشل لا يتوقف عند هذه المؤسسات والوزارات فقط، بل ربما ينتج عن ذلك هدم لمؤسسات وأنظمة إدارية وتكنولوجية ذات أثر استراتيجي فادح، ليس فقط على أداء هذه المؤسسات، بل على حياة البشر، والتي هي في الواقع أهم من تحقيق رغبة وحلم لفرد لم يتم إعداده وتجهيزه وتدريبه لهذا المنصب، ولم يصل عمره الزمني بعد حتى يمكنه تولي هذه المهمة والوظيفة الحساسة! مدربون ومستشارون أعمارهم أقل من 30 عاماً وقياديون لم تتجاوز أعمارهم 25 عاماً! هل هي موضة العصر؟! أم أنه التقليد الأعمى؟! أم أنه الجهل في زمن المهايط والشكليات والمظاهر الزائفة؟!

فهل يعي بعض الساسة خطورة ما يتخذونه من قرارات ‏تبدو في ظاهرها أنها إنجاز وإبداع وفي واقعها وحقيقتها هدم لإنسان وهدر لموارد بشرية واعدة لم يكتمل نموّها وتأهيلها بعد! بعض الساسة والاقتصاديين يحاولون أن يحاكوا الغرب في كثير من أنظمتهم السياسية والاقتصادية والإدارية والتي في غالب الأحوال لا تتناسب مع ثقافتنا العربية وقيمنا الإسلامية وبيئتنا العربية! وهذا لا يعني الدعوة لعدم ضخ الدماء الشبابية في الجهاز الحكومي أو عدم الاستفادة من التقدم والأنظمة السياسية والإدارية والاقتصادية والتكنولوجية الغربية الحديثة ولكن يجب أن نستورد منها ما يتناسب مع بيئتنا العربية والإسلامية وكذلك مرحلة النمو والتطور للأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والتدريبية في منطقتنا العربية والإسلامية.

أتمنى أن تكون الرسالة قد وصلت لمن يهمه ويعنيه الأمر!

ودمتم سالمين.