القصيع (Sargassum) نوع من النباتات أو طحالب بحرية كبيرة الحجم ذات أوراق بنية اللون، تنمو على المسطحات الصخرية على قاع البحر القريب من الساحل، وتتشبث بقاع البحر بما يشبه الجذور الضعيفة، وتنتشر بكثرة في المناطق الساحلية، التي تمتد من شمال المياه الكويتية حتى جنوبها وحول الجزر.

تعمل الأمواج وحركة التيارات على قلع القصيع، حيث تشاهد كتل منه طافية على سطح البحر في أوائل أشهر الصيف، كما تعمل حركة الأمواج على رمي هذه الكتل إلى رمال الشاطئ.

Ad

يعود سبب تسمية هذه الطحالب بالقصيع في الكويت إلى أنها تحتوي على حويصلات هوائية صغيرة كروية الشكل، وهذه الحويصلات تطلق فرقعة خفيفة عند قرصها أو قصعها، ويستأنس الأطفال بجمع بعض القصيع من على الشاطئ والضغط على البراعم بأصابعهم لسماع الفرقعة.

قد يعتقد بعض مرتادي الشاطئ أن هذه الكتل المرمية على الرمل أو الطافية من القصيع ما هي إلا عائق للسباحة وتفسد جو الاستجمام برائحتها النتنة عندما تتعرض لأشعة الشمس عدة أيام، لكنها في الحقيقة تمثل عنصراً أساسياً في مكونات البيئة البحرية، فكون القصيع نباتاً فهو مصدر أساسي لغاز الأوكسجين المذاب في الماء، كما أنه غذاء للعديد من الأسماك نباتية التغذية كسمكة الصافي، وتوفر مسطحات القصيع في جنوب المياه الكويتية مواقع مناسبة يلتصق ويحتمي بها صغار المحار.

وللقصيع فوائد مباشرة للإنسان، فاليابانيون على سبيل المثال يستخدمونه في الطبخ، ويعملون منه حساء، كما يدخل في العديد من الصناعات التجميلية.

في هذه المقالة أودّ تبيان أهمية خاصة للقصيع في حماية الربيان ووفرته في المياه الكويتية.

قام معهد الكويت للأبحاث العلمية منتصف سبعينيات القرن الماضي بدراسات بيّنت أن هناك نوعين من الربيان في المياه الكويتية، يكونان غالبية المصيد الذي يطرح بالسوق أو يصدر للخارج، هما نوع الشحامي (Metapanaeus affinis)، ونوع الجامبو (Panaeus semisulcatus). والجامبو كلمة إنكليزية تعني الضخم.

وكلا النوعين يقضيان جميع أطوار حياتهما في المياه الكويتية، بمعنى أن مناطق تكاثرهما وحضانة صغارهما كلها تقع ضمن المياه الإقليمية الكويتية، حيث تقع أهم مناطق صيد هذين النوعين في جنوب جزيرة كبر وقرب قطعة عريفجان.

وهذا لا يعني أن هذين النوعين يوجدان فقط في المياه الإقليمية الكويتية، بل يوجدان أيضاً في المياه السعودية والبحرينية، كذلك في المياه الإيرانية في الجهة الشرقية من الخليج العربي، لكن توجد هناك كمجموعات منفصلة بعضها عن بعض، وكل مجموعة تبيض وتقضي أطوار حياتها في رقعة محددة من المياه في الخليج، وربما تختلف كل مجموعة عن الأخرى في أوقات تكاثرها وفي معدل نموها.

فقد بينت الدراسات أن الربيان الجامبو الذي في المياه الكويتية يتصف بمعدل نمو أعلى من النوع نفسه الموجود في جنوب المياه السعودية والبحرينية، ويعود ذلك إلى جودة الغذاء المتوفر في بيئة المياه الكويتية كونها قرب شط العرب، حيث يصل وزن الربيانة إلى 130 غراماً، ويزيد طولها على 22 سم.

ويعيش الربيان الكبير على قاع البحر، ويتغذى على الكائنات الصغيرة جداً كالطحالب والطفيليات، لكن يعيش في طور اليرقة هائماً بماء البحر متغذياً على العوالق الدقيقة الهائمة.

فعندما تضع الربيانة الأم بدءاً من شهر فبراير آلاف البيوض الملقحة في الماء.

تفقس هذه البيوض خلال ساعات في المياه الكويتية الدافئة، بعدها يمر في عدة أطوار هائمة في الماء لمدة 15 يوماً قبل أن يتحول إلى شكل الربيان المعروف، وحينها يبدأ النزول للعيش على قاع البحر.

وخلال الطور الهائم تنجرف يرقات الربيان مع تيار البحر إلى مناطق قد تكون بعيدة عن مناطق تجمعات يوافعها أو بعيدة عن المناطق المناسبة لعيشها.

بينت الدراسات، التي أنجزت بمعهد الكويت للأبحاث العلمية، أن هناك علاقة وطيدة بين معيشة صغار الربيان والقصيع، حيث قام د. محمد حسن العطار، الذي شغل منصب نائب المدير العام بالمعهد في فترة التسعينيات، بدراسته لنيل شهادة الدكتوراه من جامعة شمال ويلز في مدينة بانغور البريطانية، على تتبع انتشار أطوار يرقات الربيان في المياه الكويتية.

وتم خلال تلك الدراسة جمع عينات من ماء البحر من عدة مناطق في جون الكويت باستخدام شباك خاصة تجرّ خلف زورق مرتين في الشهر خلال أشهر الصيف من أبريل حتى سبتمبر.

وكانت العينات تنقل بعد ذلك إلى المختبر، حيث يتم فحصها باستخدام المجهر للبحث عن يرقات الربيان، وكان من ضمن العينات، التي تم جمعها بالشباك الخاصة قطع من طحالب القصيع الطافية على سطح البحر.

وعندما قام د. العطار بفحص قطع القصيع كانت المفاجأة العثور على صغار الربيان من نوع الجامبو التي لا يزيد طولها على 3 مم مختبأة بين أجزاء القصيع.

وقد استنتج من تلك الدراسة أن صغار الربيان، التي لا تزال في الطور الهائم، تتشبث بطحالب القصيع الطافية، وتختبئ بين أوراقها، وهي بذلك تحمي نفسها من الكائنات البحرية المفترسة، مثل الدول «قنديل البحر» والأسماك الصغيرة، كما قد تقوم الطحالب خلال نزوحها مع الأمواج والتيارات البحرية بنقل صغار الربيان إلى مناطق حضانتها.

هنا اتضح أن طحالب القصيع الطافية تؤدي دوراً مهماً في نقل وحماية صغار الربيان، لكن هل هناك دور لطحالب القصيع الملتصقة على القاع بالنسبة للربيان؟ قام الباحث في معهد الكويت للأبحاث العلمية الأستاذ أوس يعقوب الغنيم بعمل دراسة ميدانية، تم خلالها إحصاء صغار الربيان الملتصقة على طحالب القصيع القاعية في عدة مناطق من المياه الكويتية.

وتمت الاستعانة بجهاز تردد صوتي للكشف عن مناطق وجود القصيع على قاع البحر، وعند العثور على هذه المناطق تم تحديد مساحتها، وبعدها يتم الغوص باستخدام الأوكسجين لجمع عينات من القصيع من القاع ووضعها في أكياس محكمة، وبعد نهاية جمع العينات يتم نقلها إلى المختبر، حيث يتم فحصها تحت المجهر للبحث عن صغار الربيان بين أوراق القصيع، ومن ثم التقاطها وقياس حجمها إن وجد.

وقد دلت نتائج الدراسة على أن أعداد صغار الربيان تتغير في زيادة ونقصان على القصيع، مما يدل على أن صغار الربيان تعيش على القصيع حتى تكبر وتصل إلى حجم معين ثم تغادره وتحل محلها وعلى قطع القصيع نفسها أحجام صغيرة أخرى من الربيان.

واستنتج من الدراسة، أن دور طحلب القصيع ليس فقط حماية صغار الربيان ولكن أيضاً يوفر لها الغذاء المناسب من الكائنات الدقيقة التي تنمو على القصيع.

كما أنه يعتقد أن هناك منفعة متبادلة بين صغار الربيان والقصيع، فبالإضافة إلى أن القصيع يوفر الحماية والغذاء لصغار الربيان، فإن تغذية الربيان بحد ذاتها على الكائنات الدقيقة الملتصقة بالقصيع تعمل على تنظيف القصيع من الطفيليات الضارة، كما تبين أن المساحات التي ينمو عليها القصيع في المياه الكويتية كبيرة، وبالتالي فإن وفرة القصيع لها مفعول إيجابي في زيادة أعداد الربيان.

وتم تقدير كمية الربيان التي يمكن إنتاجها في كل متر مربع من القصيع من خلال استخدام البيانات المتوفرة من دراسات أخرى على معدل نمو صغار الربيان ومعدل نفوقها حتى يصل الى حجم التسويق، حيث قدر أن المتر المربع الواحد من مساحة القصيع بإمكانه أن يأوي نحو نصف كيلوغرام من الربيان في الموسم الواحد، وهذه كمية كبيرة، خصوصاً أن المساحات التي يغطيها القصيع كبيرة.

وخلاصة هذه الدراسات هي التركيز على أهمية انتشار ووفرة طحالب القصيع على السواحل البحرية، كونها مناطق حماية لصغار الربيان ومصدراً غذائياً لها، وأي عمل يؤدي إلى تقليص المساحات الساحلية المناسبة لنمو وتعايش القصيع كردم السواحل وسكب الملوثات سوف يؤدي إلى تقليص الموائل الطبيعية المناسبة لتعايش صغار الربيان مما يؤثر على وفرته.

أودّ أن أشكر الصديق البروفيسور د. مناف بهبهاني على تفضله بتصحيحاته وآرائه القيمة على مادة المقالة، كما أشكر الصديق العزيز عبدالمجيد الشطي على ملاحظاته المفيدة في محتوى المقالة.

* مدير دائرة الزراعة البحرية والثروة السمكية بمعهد الكويت للأبحاث العلمية سابقاً