تسعى الحكومة في العهد الجديد لإعادة صياغة النظام الإداري بمؤسساتها، بعد سنوات من الضبابية وفقدان الكثير من المعايير الأساسية، مما شكّل طبقة واسعة من القياديين (غير المناسبين) لمواقعهم.

من يعش معترك العمل الإداري الحكومي ويحمل في صدره حرقة وتجرّداً، يتألم لما آلت إليه الأمور، ويقدّر لماذا تريثت الحكومة طويلا في تسكين هذه المواقع.

Ad

لعلها دعوة للتفاؤل بما هو قادم، لقد تجذرت البيروقراطية بصورة بشعة، ومع مرور الزمن تكونت دويلات عميقة في مؤسساتنا تتحكم في مفاصل القرار، سواء في مصالح المواطن أو الشركات الخاصة. ومن الصعوبة بمكان اجتثات هذا الإرث الحكومي المتجذر والمتشعب، والذي يحتاج إلى مؤتمر وطني موسع لدراسته.

إن فرصة اختيار القياديين في هذه المرحلة ستكون واحدة من أهم انطلاقات الحكومة في الإصلاح لتعزيز الأداء الحكومي وتحقيق التنمية المستدامة ورؤية 2035.

وقد بات من الضروري تشكيل لجنة عليا مستقلة لاختيار القياديين تكون محايدة وتحت مظلة مجلس الوزراء و»الخدمة المدنية»، تضم خبراء في الإدارة والقانون والسياسة، وتكون بمنأى عن الضغوط السياسية والمجتمعية، وتضع معايير عادلة وفعالة وقابلة للقياس لاختيار المرشح المناسب للمنصب القيادي، ومنها الإنجازات الفعلية السابقة للمرشح، ومدى الالتزام الشخصي بأخلاقيات العمل، ونظرته للمحسوبيات والمحاباة وكيف تعامل معها.

إن دراسة السيرة الذاتية للمرشح وخبراته العملية وارتباطها بالمجال المطلوب أمر مهم، وكذلك النزاهة ونظافة اليد واحترام المال العام.

كما يجب أن يتصف بالولاء للكويت وقيادتها، وله القدرة على التخطيط الاستراتيجي والتطوير والقيادة واتخاذ القرارات في المواقف الصعبة، وفي عصر التحول الرقمي يصبح شرطا قدرته على التعامل مع التقنيات والذكاء الاصطناعي واستيعاب التكنولوجيا الحديثة وتوظيفها لنجاح مهمته في القيادة.

وتعد مقابلة اللجنة للمرشح خطوة حاسمة في الاختيار، وتكون مقابلة متعمقة يستعرض فيها المرشح رؤيته وخطته لتطوير المرفق، وتأخذ اللجنة في الحسبان جميع ما ذكرناه وترصده بمعايير واضحة وشفافة.

في هذا السياق، نقترح تأسيس أكاديمية وطنية لتأهيل القياديين وتوفير دورات لهم، وهي استثمار طويل الأمد للدولة وتكوين قاعدة بيانات للكوادر القيادية المحتملة.

ويقول تقرير للبنك الدولي إن الاستثمار في القيادات الشابة وتطويرها عنصر أساسي لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام، وقد نفذت ألمانيا وسنغافورة وبعض دول الخليج ذلك باقتدار، وتم تصعيد المؤهلين لشغل الصفوف الأمامية للدولة.

لا شك في أن للوزير أو المسؤول دورا مهما في اختيار وكلائه، ولكن وفقاً لهذه الضوابط وليس على إطلاقه، حيث يأتي المرشح من خارج الوزارة أو يتخطى عدة مراتب سابقه له. ويجب ترشيح أكثر من شخص للمنصب، لكي تختار اللجنة منهم.

ولديّ تجربة في «الصحة» بتعيين أكثر من 10 وكلاء، جميعهم من مديري الإدارات والمناطق والعمداء المساعدين من دون استثناء، وهذا ما كانت عليه الحال في ديوان الخدمة المدنية سابقًا. وإذا ما اختار الوزير خلاف ذلك يكون عليه أن يبرر اختياره أمام مجلس الخدمة المدنية بكل شفافية.

إن اعتماد هذا النظام المتكامل لاختيار القيادات العليا من شأنه أن يعزز من فاعلية الأداء الحكومي ويضمن اختيار القيادات الأكثر تأهيلا وكفاءة من خلال التركيز على معايير الإنجاز والشفافية والخبرة والتخطيط الاستراتيجي والتعامل مع التقنيات الحديثة.. وسيقود هؤلاء دولتنا لمستقبل أكثر إشراقاً.

*******

تعقيب على «المستشار»

لا بد أن نفرّق بين المستشار المهني والقانوني، فالمهني قد يكون من أي جنسية عربية أو آسيوية أو أجنبية، ولكن ما يقفز إلى الأذهان هو المستشار القانوني، والذي غالبا ما يكون عربيا لأهمية اللغة، وغالبا ما نتجه لجمهورية مصر، بحكم أنها هي التي صدّرت القوانين للعالم العربي.

أما إذا وضع أي مستشار، سواء كان وطنيا أو غيره في غير مكانه، أو أعطي أكبر من صلاحيته، فإن اللوم يقع على المسؤول الكويتي قبل المستشار.

ونؤكد أن معيار الكفاءة والأمانة وتغطية الجوانب التي لا يلمّ بها المسؤول هو الأساس في الاختيار، أما إذا تقاربت الكفاءة، فإن الأولوية للمستشار الوطني من دون شك.

أما بالنسبة إلى شؤون الدولة السيادية، كالأمن والدفاع والخارجية، فيجب أن تقتصر على الوطني.

* وزير الصحة الأسبق