يتخذ الفساد أشكالاً عدة تتفاوت في وضوحها وتعقيدها وقابليتها للملاحقة والمحاسبة والمعاقبة، أبسطها وأوضحها التعديات المكشوفة التي نراها بشكل روتيني معتاد، وعلى رأسها المخالفات المرورية الصارخة التي أصبحت شيئاً معتاداً لا يزعجنا ولا يزعج وزارة الداخلية بما تملكه من ترسانة بشرية وسيارات شرطة وميزانيات مرتفعة.
والغريب أننا نسمع عن أولويات الوزير بالحزم والحسم والكبس تجاه المخالفات المرورية، إلا أن الواقع ليست له صلة إطلاقاً بهذه الأماني، فإن كانت هذه الحال مع التجاوزات المكشوفة، فكيف الحال مع المستترة والخفية؟
أشاهد مثل غيري في طريقي اليومي مئات التعديات، وأبرزها وقوف المخالفين على أجناب الطريق بالقرب من مواقع الخدمات الحكومية وغيرها، بما يعوق الحركة ويخلق زحاماً لعدم رغبة المترفين بالتوجه إلى المواقف المتاحة التي تبعد عنهم بضعة أمتار، وحتى عند دخولي إلى مواقف المرافق العمومية يتكرر ذات المشهد بوقوف السيارات بشكل مخالف ومعوّق للحركة، استهتاراً وكسلاً بدلاً من صعودهم إلى الأدوار العلوية الفارغة، والتي لن تأخذ منهم أكثر من نصف دقيقة.
قمت بمخاطبة موظفي المواقف فأفادوا بعجزهم عن منع المخالفين، قمت بالتصعيد إلى الإدارة العليا، فأفاد المدير العام بتعرّض موظفيهم في تلك المواقف للمشاجرات والضرب من قبل البعض عند محاولة منعهم من المخالفات! وعند قيام الشركة بمخاطبة إدارة المرور في وزارة الداخلية بطلب توفير دورية لمنع المخالفين وردعهم تم تجاهل طلبهم، وتجسيداً لمقولة «كل مواطن خفير» قررت أن أكون خفيراً، لتبدأ حكاية جديدة!
عَلمتُ بوجود خط ساخن للإدارة العامة للمرور لتلقي شكاوى المخالفات المرورية عبر «واتساب»، فتواصلت معهم، وتمت إجابتي بضرورة تقديم الشكوى مع تصوير المخالفة وتحديد البيانات التفصيلية (الموقع، التوقيت، بيانات المُبلغ) وهو ما قمت به بالفعل، وبعدها بـ 45 دقيقة تلقيت إشعاراً منهم بأنهم سيقومون بعمل اللازم! فرددت عليهم: ماذا لو مشى المخالف قبل وصولكم؟ فلم يتم الرد عليّ، وبعدها ببضعة أيام قدمت شكوى جديدة بمخالفة أخرى في نفس الموقع، وتلقيت نفس الرسالة المعلبة، انتابني الشك في مصداقيتهم، كما انتابني الشك في جدوى ما أقوم به، وذلك لاستمرار وتكرار المخالفات مع عدم قدرتي على التحقق من إجراءات وزارة الداخلية تجاه المخالفين، هذه المرة قررت أن أقف بسيارتي بشكل مخالف لأقوم بتصويرها والشكوى على نفسي! وعند قيامي بذلك تلقيت نفس الرد «نشكرك على حرصك، سيتم عمل اللازم مع الواقعة بسريّة تامة، مع تحيات الإدارة العامة للمرور»، ينبغي أن أخبركم بعدم تسجيل أي مخالفة على سيارتي إلى يومنا هذا، على الرغم من انقضاء أسبوع كامل على الواقعة، وأتمنى ألا أتلقى المخالفة بعد نشر هذا المقال وقراءة المسؤولين له!