البغلي: نعاني تراجع جودة الخدمات رغم ضخامة الإنفاق
«5 اختلالات أساسية تعانيها الدولة على رأسها تراجع مرونة التعامل مع أسعار النفط»
• خلال ندوة نظمتها جمعية الخريجين بعنوان «الاقتصاد الكويتي... واقع وتحديات»
أكد رئيس قسم الاقتصاد في «الجريدة»، محمد البغلي، أن واقع الاقتصاد المحلي غير جيد، والتحديات التي تواجهه مخيفة، ويمكن رصد 5 اختلالات أساسية تعانيها الدولة، وقد تمتد هذه التحديات والاختلالات حتى العقدين المقبلين.
حديث البغلي جاء خلال الندوة التي نظمتها جمعية الخريجين بعنوان «الاقتصاد الكويتي... واقع وتحديات»، ضمن فعاليات معرض الكتاب الصيفي السابع، المستمر خلال الفترة من 25 إلى 29 الجاري.
الارتفاعات القوية في أسعار النفط لم تعد تحقق الفوائض المالية
وبيّن البغلي أن التحديات تتمثل في مدى المرونة بالتعامل مع أسعار النفط المتغيرة وغير الثابتة، والانحراف الكبير في سوق العمل وتكلفته على المالية العامة وجودة الخدمات المقدمة، إضافة إلى التركيبة السكانية المختلة التي تنساب منها العمالة الهامشية وتجارة الإقامات، إضافة إلى الناتج المحلي الإجمالي وحجمه، ودور القطاعين العام والخاص، وأخيراً تراجع مستوى جودة الخدمات مقابل ارتفاع الإنفاق المالي عليها.
وذكر أن تلك الاختلالات تتعلق بجميع نواحي حياة المواطن من وظيفة وخدمات وسكن ومستقبل ورفاهية العيش وغيرها الكثير، مشيراً إلى أن أكثر ما يخيف فيما يتعلق بالتحدي الأول، وهو النفط، الذي يشكل الجزء الأكبر من إيرادات الميزانية العامة للدولة، هو أن مرونة التعامل مع متغيراته السعرية تراجعت خلال الـ 15 سنة الماضية بشكل كبير.
وتابع: في بداية الألفية كان لارتفاع أسعار النفط أثر إيجابي على الميزانية العامة للدولة، بتحقيقها فوائض مالية بمليارات الدنانير، ومع تحولات الأسعار وتراجعها منذ عام 2014 بدأت الميزانية العامة بتحقيق العجوزات لفترة 10 سنوات، إلا في عام واحد، بسبب الحرب الروسية - الأوكرانية التي كان لها الأثر على أسعار النفط.
واقع الاقتصاد المحلي غير جيد ويواجه تحديات مخيفة
وأشار إلى أن النفط شهد يوم الاثنين الماضي قفزة سعرية استثنائية، إذ ارتفع سعر البرميل 3 دولارات، ليبلغ 81 دولاراً للبرميل، وهذا السعر لم يصل إليه منذ أشهر، ومع ذلك لم نصل إلى سعر التعادل البالغ في الميزانية العامة 90 دولاراً، حيث إن الارتفاعات القوية في أسعار النفط أصبحت لا تحقق الفوائض.
وأوضح البغلي أن أسعار النفط في الوقت الحالي مدعومة بعدة عوامل، منها اتفاق خفض الإنتاج بين المنتجين في «أوبك بلس» والحرب الروسية - الأوكرانية والعدوان الإسرائيلي على غزة، إضافة إلى عوامل أخرى، متسائلاً: ما الذي سيحدث عندما تتلاشى تلك العوامل؟
نتائج معاكسة لخطط الحكومة وفشل حقيقي في سياسات تمكين الشباب بالمشروعات الصغيرة
وأكد أنه حال لم تتمكن الدولة من تحقيق سعر التعادل بالميزانية العامة، في ظل ارتفاع بند المصروفات، سيكون لها آثار سلبية على الاحتياطي العام، الذي استنزف خلال فترة العجوزات، متوقعاً أن يرتفع سعر التعادل ليتجاوز 120 دولاراً خلال السنوات القادمة، في ظل السياسة الحالية.
انحراف سوق العمل
وتطرّق البغلي إلى الاختلال الثاني، وهو انحراف سوق العمل، حيث يستقبل القطاع الحكومي النسبة الأكبر من المواطنين، وغالباً ما تكون النسبة لكل 5 أفراد، 4 منهم يعيّنون في القطاع العام مقابل مواطن في القطاع الخاص، وهذا يشكّل أعباء كبيرة على المالية العامة.
وبيّن أن الربع الأول من العام الحالي شهد ارتفاعاً كبيراً في حجم العمالة الوطنية بالقطاع العام، بنسبة 84 بالمئة، وهي الأعلى تاريخياً، حيث إن تلك الأرقام مخالفة لكل الأهداف والرؤى التي تم الإعلان عنها، إذ إنها حققت نتائج عكسية.
أول الحلول لمواجهة التحديات... وضع سقف لإنفاق الميزانية للسنوات الـ 5 المقبلة
وأردف أن بند الرواتب وما في حكمها تبلغ قيمته 15 مليار دينار، مؤكداً أن هناك فشلاً حقيقياً في سياسات تمكين الشباب من خلال المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وعدم القدرة على خلق وظائف بالقطاع الخاص.
وأضاف: يجب أن تكون هناك نظرة مستقبلية لـ 15 سنة القادمة، حيث إن 42 بالمئة من المواطنين تتراوح أعمارهم من 19 عاماً وما دون، وهذا يعني أن هناك جيلاً جديداً بحاجة إلى خدمات بمختلف أوجهها.
التركيبة السكانية
وعن الاختلال الثالث الذي يتعلق بالتركيبة السكانية، قال البغلي، إن البيانات الاقتصادية التي أصدرتها الإدارة العامة للإحصاء كشفت ارتفاع العمالة الوافدة في القطاع الخاص بنسبة 3.2 بالمئة خلال النصف الأول، وهذا عكس ما هو مخطط له، حيث إن جميع خطط الحكومة حصدت نتائج معاكسة وسلبية.
وفيما يتعلق بالاختلال الرابع، الخاص في مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي، لفت البغلي إلى أن القطاع الخاص المحلي يعتبر صغيراً ومحدوداً، ولم يحصل على فرص مناسبة من الدولة، وأصبح قطاعاً ريعياً يعتمد بشكل شبه كامل على الإنفاق الحكومي، و95 بالمئة من تعاملاته مع القطاع العام، مؤكداً أنه يجب فتح البيئة الاستثمارية وتطويرها حتى يكون للقطاع الخاص دور حقيقي في المساهمة بالناتج المحلي الإجمالي للدولة، وأن يسهم في معالجة الاختلالات التي تعانيها الدولة.
جودة الخدمات
وعن الاختلال الخامس والأخير، قال البغلي إنه يتعلق بتراجع جودة الخدمات، بالرغم من ضخامة الإنفاق المالي عليها، حيث نجد أن معظم مصروفات الميزانية موجهة نحو الخدمات، مثل التعليم والصحة والإسكان والطرق والطاقة، وجميعها شهدت تدهورات كبيرة خلال السنوات الماضية.
وتابع: على سبيل المثال لا الحصر، تجاوز إنفاق الدولة على التعليم أكثر من ملياري دينار، وبما يعادل بالناتج المحلي أكثر مما تنفقه الكثير من الدول الأوروبية والآسيوية المتطورة، وبالرغم من ذلك الإنفاق، أصبح هدفنا الوحيد هو عدم تسرّب الاختبارات، وأن يبدأ الموسم الدراسي في وقته المحدد، عكس ما تقوم به الدول من تطوير المناهج ورفع مستوى التكنولوجيا وربط مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل.
ولفت إلى أن هناك أمثلة كثيرة، سواء في الطرق، إذ يفترض أن تكون لدينا أفضل شبكة نقل في العالم، والأمن الغذائي الذي أصبح هاجس الكثير من الدول في ظل الأوضاع الجيوسياسية العالمية، مؤكداً أن حجم الاهتمامات اضمحل، ولا يوازي حجم الإنفاق الكبير على القطاعات.
3 حلول
وفيما يتعلق بالحلول لمواجهة تلك التحديات والاختلالات، قال البغلي، إن الحلول تأتي على 3 مراحل، أولاها مرحلة قصيرة الأمد، وهي وضع سقف للإنفاق العام للبلاد، عند مستوى 24.5 مليار دينار، يجب ألا نتجاوزه خلال السنوات الخمس المقبلة، ويتم تنقية الميزانية العامة من المصروفات غير الضرورية.
وأوضح أن هناك العديد من المصروفات تجب معالجتها، على سبيل المثال، مصروفات القياديين، والامتيازات الوظيفية في الهيئات والرواتب المُبالغ فيها، لافتاً إلى أن هناك مصروفات غير منطقية، وهي وجود تأمين صحي عافية للمتقاعدين، ووجود علاج بالخارج، في دولة يصرف على القطاع الصحي العام مئات الملايين، وبالمجان.
أما المرحلة الثانية فهي تحسين جودة الخدمات، إذ إن رفع مستواها سيسهم في خفض حجم الإنفاق عليها، وبالتالي سيكون هناك انعكاس إيجابي على مصروفات الميزانية العامة للدولة.
أما المرحلة الأخيرة، والتي تكون على المدى البعيد، فتتمثل في إصلاح الاختلالات الاقتصادية التي تم ذكرها، ورفع الإيرادات غير النفطية ومعالجة التركيبة السكانية، وإصلاح سوق العمل ورفع قيمة القطاع الخاص الحقيقي المنتج، في الناتج المحلي الإجمالي.
لا قيمة لمراجعة الدعوم ما لم ترتبط بسياسةواضحة لمواجهة التضخم |
---|
قال البغلي إن المواطنين محقون بمخاوفهم فيما يخص موضوع الرواتب والدعوم، وأيضاً في الجانب الآخر الدولة هي الأخرى محقة في مراجعتها وخفض فاتورتها بالميزانية العامة، مشيراً إلى أن إعادة النظر فيهما يجب ألا تكون من خلال إجراءات تعسفية أو مفاجئة، ويجب أن تتم من خلال سياسة عامة. وأفاد البغلي، خلال الندوة، بأن المراجعة يجب أن تكون محترفة وفنية، والأخذ بعين الاعتبار آثارها الاقتصادية والاجتماعية، والعمل على توجيه الدعم إلى الأقل دخلاً، وألا تمسّ الطبقة المتوسطة، مشيراً إلى أنه لا قيمة لمراجعة الدعوم ما لم ترتبط بسياسة واضحة وأساسية لمواجهة التضخم. وبيّن أن التضخم ارتفع منذ عام 2017 وحتى العام الحالي، بنسبة 18 بالمئة، مما استنزف رواتب المواطنين، وتراجعت القوة الشرائية لديهم خلال تلك السنوات، مما جعلهم يطالبون بالمزيد من الزيادات والامتيازات المالية. ولفت إلى أن أسباب التضخم في الكويت معروفة، إما بسبب السياسات الاحتكارية التي ساهمت فيها الدولة وعززتها خلال السنوات الطويلة الماضية، وإما بسبب ارتفاع تكاليف الاستيراد، موضحاً أنه يجب دعم القطاعات الاقتصادية، وأن تكون هناك قراءات عن إنفاق الأسر وغيرها من السياسات لتطويق التضخم والتقليل من آثاره، حتى تكون لمعالجة الدعوم قيمة تنعكس إيجاباً. |
«البصمة والبدلات والإجازات» لا تمثّل إصلاحاً حقيقياً لسوق العمل
أكد البغلي أن البصمة الثالثة وإلغاء البدلات ومراجعة الإجازات خطوات مطلوبة، لكنها لا تمثل إصلاحاً حقيقياً لسوق العمل، مشيراً إلى أن إصلاح سوق العمل يأتي من خلال توفير الفرص الوظيفية للعمالة الوطنية في القطاع الخاص وإصلاح البيئة الاستثمارية، إضافة إلى إحياء صندوق المشروعات الصغيرة والمتوسطة الذي تصل قيمته إلى ملياري دينار، ولم يحقق حتى 5 في المئة من أهدافه.
وذكر أن البيانات الأخيرة لسوق العمل تشير إلى انحرافات كبيرة، ونتائج عكسية لخطط الحكومة المعلنة طوال السنوات الماضية لتوظيف المواطنين في القطاع الخاص، ونجد أن النسبة الأعلى للتوظيف كانت لمصلحة القطاع العام، وفي المقابل ارتفعت العمالة الوافدة في القطاع الخاص.