كل من سافر إلى أحد البلدان الأوروبية أو أميركا الشمالية وجد منظراً شبه متكرر وقت هبوط الطائرة على المدرج، وهو منظر يشبه الطيف الذي يزامنك في كل لحظة ووقت وزمان، يكون على شكل مروحيات إمّا على الشواطئ أو على مناطق متناثرة تتعرف عليها مع الوقت كمولدات للطاقة، وتحديدا طاقة الرياح الطبيعية، من خلال تشغيل توربينات متصلة بتلك (المزارع)، كما تسمى، لإنتاج الطاقة المتجددة الطبيعية.
وهذا بطبيعة الحال جعلني أبحث مرارا وتكرارا عن أسباب شح مثل تلك المبادرات في منطقتنا العربية وفي دول الخليج تحديدا، وبالأخص في دولة الكويت. ولكن وقبل المُضي في بعض التفاصيل، وجب علينا أن نستهل هذا المقال ببعض الحقائق والدوافع التي تجعل من طاقة الرياح أمرا محببا لدينا كمهندسين كيميائيين مهتمين بالطاقة، وبالأخص المتجددة منها والخضراء.
طاقة الرياح مصدر رباني متوافر طبيعيا، والأهم هاهنا أنه يمكن استغلاله دونما الحاجة إلى أن يكون هناك أي نوع من عمليات الحرق للوقود الأحفوري، أي أنه لا يوجد مصدر لأية انبعاثات خطيرة ومضرّة على البيئة بتاتا من هذه المسألة.
كما أن الرياح مصدر متجدد غير ناضب طبيعي، شئنا أم أبينا، فمن البديهي أن يقوم الإنسان بعملية تحويله الى ما هو نافع لمصلحة الكوكب الأزرق. ونعم قبيل الشروع في تفاصيل أخرى، توجد مزارع للرياح وإنتاج طاقتها في الخليج العربي في عدد من البلدان، وكذلك على مستوى المنطقة، ولكن لا ترقى تلك العمليات الخضراء إلى أن يتم وضعها في مصب العديد من دول العالم الأول، وكيف لهم أن يستغلوا طاقة الرياح لديهم؟
ويكمن السبب الذي يرجع إليه المختصون في تحليلاتهم الاقتصادية في أن عدم شيوع هذه التقنية يعود إلى عدم فاعليتها ونجاعتها في مقابل عمليات إنتاج الطاقة بالطرق التقليدية، وهو بالمناسبة أمر أشهد عليه شخصيا، خصوصاً فيما يتصل باستخدام لقيم النفايات كمثال آخر.
ورغم التطور المذهل في تقنيات إنتاج الطاقة من الرياح، وكذلك الطاقة الشمسية، وهما في العادة متلازمتان، فإن مثل تلك العمليات وجب أن تنافس بنى تحتية تستخدم الوقود الأحفوري لزمن بعيد جدا. ورغم إقرار عدد كبير من الدراسات العلمية بالمنطقة بمسألتين هما أن كلاً من دولة الكويت وعمان والسعودية تحظى بموقع جغرافي مغرٍ للاستثمار بهذا النوع من المشاريع، وأن البيانات لا تزال تعتبر إلى حد ما شحيحة في هذا المجال، فإنه وجب أن تكون تلك البقعة الصحراوية من القارة الآسيوية، موقعا للدراسة الجادة في قادم الأيام.
ووفق آخر الدراسات الأميركية - الدنماركية على منطقة الخليج العربي، فإن بداية الأعمال على طاقة الريح انطلقت من دولة قطر الشقيقة مطلع عام 90 من القرن الماضي، كما أن الأسواق العالمية للطاقة تغيّرت خريطتها بشكل كبير وملحوظ من بعد جائحة كورونا، ووجب وضع أمر مهم في الاعتبار هو أن الإقبال على الطاقة المتجددة ارتفع بنسبة 1.5 في المئة في السنوات الأخيرة. وهذا كله من أهم العوامل المشجعة للعمل والاستثمار في طاقة الرياح بمنطقة الخليج العربي، والتي لا تزال رغم تناثر بعض المبادرات والمشاريع، تعتبر أرضاً خصبة لمثل تلك الأعمال.
وتشير الدراسات إلى أن تكلفة إنتاج كيلووات واحد من طاقة الرياح تساوي عشرة سنتات أميركية في منطقة الخليج العربي، وذلك من خلال طربين بسعة 2 ميغاوات وارتفاع 80 م عن سطح الأرض.
وبالطبع، فإن هذه التقديرات جد صغيرة ومتواضعة إذا ما تمت مقارنتها بأسعار الكهرباء المدعومة حكوميا في دول الخليج العربي.
إذاً، فالحل هنا ليس كما يدفع البعض برفع الدعم ووضع مؤسسات وهيئات الدولة المختلفة أمام الأمر الواقع المر، وجعل الشعب يتحمل سنين من الضياع في التخطيط السليم، بل هو أمر مغاير تماما.
الحل ببساطة هو أن يتم استغلال طاقة الرياح وغيرها في تزويد مشغلات حكومية للبنى التحتية الأساسية، كعمليات تحلية المياه مثلاً، وهكذا تكون سلّة الطاقة في الدولة قد اتخذت صبغة خضراء، وقد تم التخفيف من الاعتماد على الوقود الأحفوري كذلك. وبهذا، نصل تدريجيا إلى مبتغانا في أكثر من منحى على مدى السنوات القادمة التي لن ترحمنا البتّة إذا ما تساهلنا في ملفنا البيئي.