«مات حتف أنفه»، مثل يقال لمن مات ميتة طبيعية ولم يقتل، فالمتعارف عليه عند القدماء هو أنه عندما يموت الرجل على فراشه، فستخرج روحه من أنفه وفمه، ولكن وفي كل الأحوال الموت واحد، وكما قيل في المثل العربي القديم: «تعددت الأسباب والموت واحد».

فالموت واحد إلا أن أسبابه عديدة، فهناك ميتة طبيعية بعد أن عاش صاحبها قبل موته فترة طفولته ثم مراهقته ثم شبابه ثم كهولته، وهناك موت الفجاءة الذي لا يعرف سنا، فهو يصيب الرضيع في مهده، والشاب وهو في عافيته، والبطل الصنديد وهو في كامل قوته وجبروته، وهناك الموت بسبب مرض عضال يصيبه.

Ad

خالد بن الوليد البطل المغوار، قاهر الفرس والروم، قال وهو على فراش الموت: «لم يبق في جسدي موضع شبر إلا وقد أصابته ضربة من سيف، أو طعنة من رمح، أو رمية من سهم، وهأنذا أموت على فراشي كما يموت البعير»، فخالد بن الوليد، رضي الله عنه، «مات حتف أنفه».

فالحتف هو الموت، أي انتهاء الحياة، فكانت العرب أيام الجاهلية وحتى فجر الإسلام تعتقد أن الروح تخرج من مكان مقتلها، فإن مات المرء إثر إصابة في كبده فهذا يعني أن روحه ستخرج من هناك، أو من أي مكان كان سببا في خروج روحه من جسده، أما إذا مات المرء موتا طبيعيا فستخرج روحه من مكان واحد فيه وهو أنفه، وسيقال عندها إن المتوفى قد «مات حتف أنفه»، وهناك بيت شعر قبل الرسالة المحمدية للشاعر اليهودي السموءل بن عادياء قال فيه مفتخرا:

وما مات منا سيّدٌ حتفَ أنفه *** ولا طُلَّ منا حَيْثُ كَانَ قتيلُ

أما حقيقة كيفية خروج الروح من الجسد فأمرها وعلمها عند الله سبحانه، فعن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: «بيْنَما أنَا أمْشِي مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في خَرِبِ المَدِينَةِ، وهو يَتَوَكَّأُ علَى عَسِيبٍ معهُ، فَمَرَّ بنَفَرٍ مِنَ اليَهُودِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ؟ وقَالَ بَعْضُهُمْ: لا تَسْأَلُوهُ، لا يَجِيءُ فيه بشيءٍ تَكْرَهُونَهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَنَسْأَلَنَّهُ، فَقَامَ رَجُلٌ منهمْ، فَقَالَ يا أبَا القَاسِمِ ما الرُّوحُ؟ فَسَكَتَ، فَقُلتُ: إنَّه يُوحَى إلَيْهِ، فَقُمْتُ، فَلَمَّا انْجَلَى عنْه، قَالَ: «وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِن أمْرِ رَبِّي وما أُوتُوا مِنَ العِلْمِ إلَّا قَلِيلاً».

ملحوظة: منقول من التراث بتصرف.