بعد سنوات من تقاعده وبدء حياة هادئة في الريف الأميركي، حيث كان يدير مزرعة عائلته المترامية الأطراف، يجد رائد الفضاء السابق جوزيف كوبر نفسه أمام مهمة جديدة «شبه مستحيلة» خارج كوكب الأرض لإنقاذ البشرية.
في فيلم إنترستيلر أو «بين النجوم»، وبخلاف معظم قصص «هوليوود» التي تتحدث عن غزو فضائي أو كويكب ضخم مدمر، كان كوبر، الذي جسد شخصيته الممثل ماثيو ماكونهي، يسعى للعثور على كوكب صالح للعيش، بعد إشارات على تراجع مقومات الحياة على الأرض.
التشابه بين بعض الحقائق الواردة في الفيلم والواقع لم يكن مصادفة أو من خيال المؤلف، حيث تحدث عنه العلماء مرارًا، ومن بينهم الأستاذ المشارك في معهد دراسات التصحر في الأكاديمية الصينية للغابات، فنغ وانغ.
ماذا يحدث في الصين؟
• في عام 2017، صنفت نحو 27 بالمئة من مساحة الصين كأراض صحراوية تؤثر على حياة 400 مليون شخص، على الرغم من الجهود الفريدة التي أطلقتها حكومة البلاد لمنع التصحر وزيادة الرقعة الخضراء في البلاد.
• ويرجع السبب الحقيقي في تأثير عملية التصحر على حياة هؤلاء السكان، إلى العواصف الشديدة التي تتكرر بشكل متزايد فتدمر المحاصيل وتلحق الضرر بالبنية الأساسية، علاوة على الجفاف والظروف الأخرى غير المواتية للعيش.
• ويقول وانج إن المشكلة الرئيسية التي تواجهها الصين، هي عدد السكان الضخم الذي يعيش في الأراضي الجافة، بما يتجاوز القدرة البيئية لهذه المناطق على تحمّلهم.
• في عام 1994، بدأت إدارة الغابات في الصين بمراقبة حالة التصحر على المستوى الوطني، وتُظهِر أبحاثها أن الصحارى توسعت في الصين منذ عام 1994 إلى عام 1999، لكنها تقلصت من عام 1999 إلى 2014.
• مع ذلك، يشكك بعض العلماء في موثوقية بيانات الحكومة الصينية، مشيرين إلى تناقضات وأوجه قصور في المنهجية التي تتبناها الجهات العلمية التابعة لبكين.
• لكن المشكلة ليست فريدة من نوعها بالصين، حيث يتشكل 24.1 بالمئة من سطح الأرض من أراضٍ صحراوية، والتي تعد موطنا لحوالي سدس سكان العالم، وفقًا لما ذكره وانج في 2017.
• على جانب آخر، ووفقًا لموقع إيرث دوت أورج، فإن حجم الأراضي الجافة يغطي 40 بالمئة من مساحة اليابسة حول العالم، أو 54 مليون كيلومتر مربع، وأكثر من نصف هذه المساحة في آسيا وإفريقيا، وتتزايد باستمرار.
مواجهة الأزمة
• في يونيو الماضي، قالت الإدارة الوطنية للغابات والمراعي، إن الصين عالجت 220 ألف كيلومتر مربع من الأراضي الرملية في أكثر من 10 سنوات، كما عالجت 53 بالمئة من الأراضي الرملية القابلة للاستصلاح بشكل فعال.
• وذكر المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، لين جيان، أن بلاده هي أول دولة في العالم تحقق «تدهورًا صفريًا صافيًا» للأراضي، وتقلل من التصحر وانتشار الرمال، مما يقدم مساهمة مهمة في تحقيق الهدف العالمي المتمثل في معدل تدهور أراضٍ صافٍ صفري بحلول عام 2030.
• جاء ذلك بعدما أكمل برنامج واسع النطاق في شمال البلاد، تشجير نحو 320 ألف كيلومتر مربع من الأراضي، ومعالجة 850 ألف كيلومتر مربع من الأراضي العشبية المتدهورة.
• واستخدمت الصين العديد من الاستراتيجيات والتقنيات لتحقيق أهدافها، بما في ذلك طريقة «ألواح الشطرنج القشية» لمنع الرمال من التحرك مع الرياح، وأيضًا البكتيريا الزرقاء المزروعة في المختبر لتشكيل قشور التربة بسرعة فائقة، وتطوير زراعة القشة بكفاءة أكبر.
• وتشير التقديرات إلى استثمار الصين 100 مليار دولار لإعادة تأهيل الغابات بين 1998 و2014، بمشاركة 20 بالمئة من سكان الريف، وبلغت مساحة الغابات في البلاد 22.2 بالمئة عام 2015 ارتفاعًا من 16.7 بالمئة في 1990، مع هدف يبلغ 30 بالمئة بحلول عام 2050.
• ومع ذلك، كان ربيع عام 2023 لا يُنسى، حتى بالنسبة لأولئك الذين اعتادوا العيش بالقرب من الصحراء، حيث اجتاح المنطقة أكبر عاصفة رملية منذ عقد، مما أثار شكوكًا في جهود السيطرة على الصحراء.
• في كل عام، تتجاوز الخسائر الاقتصادية المباشرة الناجمة عن التصحر 54 مليار يوان (7.6 مليارات دولار)، ويتأثر مئات الملايين أو 30 بالمئة من السكان بشكل مباشر أو غير مباشر بمشكلة التصحر، وفقًا للإدارة الوطنية للغابات.
الصين وإفريقيا
• في عام 2009، قالت صحيفة الغارديان إن مليون مزارع صيني انضموا للاستفادة من جهود بلادهم الاستثمارية في إفريقيا، حيث تسارع الدول الغنية (غربية وشرقية) لشراء أو استئجار الأراضي في البلدان الفقيرة من أجل تلبية الطلب المتزايد على الغذاء والوقود.
• وأشارت الصحيفة آنذاك إلى شراء أو تأجير نحو 6.2 ملايين فدان (الفدان حوالي 4200 متر مربع) في 5 دول بمنطقة جنوب الصحراء الكبرى خلال السنوات الخمس السابقة، بتكلفة بلغت 920 مليون دولار، حيث يركز المستثمرون على الأراضي الصالحة للزراعة والاستصلاح.
• منذ عام 2005، بدأ الباحثون من معهد شينجيانج للبيئة والجغرافيا التابع للأكاديمية الصينية للعلوم يشاركون تقنيات مكافحة التصحر الصينية مع دول آسيا الوسطى وإفريقيا من خلال ورش العمل والممارسة الميدانية.
• وتمثل إفريقيا نحو 60 بالمئة من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم، ومعظم بلدانها لا تنتج 25 بالمئة من المحصول المحتمل، فيما ساعدت الصين دول المنطقة في تطوير 300 تقنية زراعية استفادت منها مليون أسرة من أسر المزارعين في إفريقيا.
• المساحة الإجمالية للقارة تبلغ 1.2 مليار فدان، منها 71 بالمئة مغطاة بالأرض و29 بالمئة بالمياه، وتبلغ مساحة الأراضي التي تمتلكها الصين 465 ألف كيلومتر مربع، وفقًا لبيانات «أفريكان لاند»، وهي شركة متعددة الجنسيات متخصصة في الاستثمار بالأراضي والعقارات داخل إفريقيا.
- منطقة الساحل على سبيل المثال، غنية بالموارد الطبيعية مثل النفط واليورانيوم والغاز الطبيعي والليثيوم، وتعمل الشركات الصينية في النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو، يضاف لذلك التعاون الأمني في شكل مبيعات الأسلحة، وأخيرًا، فإن تزايد نفوذ الصين وروسيا يأتي على حساب تراجع الوجود الغربي.
- بعض الأبحاث والدراسات المناخية والجيولوجية، تشير إلى أن منطقة الصحراء الكبرى في إفريقيا كانت في السابق خضراء وغنية بالنباتات بالفعل، فيما يتوقع خبراء تزايد هطول الأمطار بهذه المنطقة في ظل الاحتباس الحراري.
- تشير تقديرات معهد بوتسدام الألماني لأبحاث تأثير المناخ، إلى أن تغيّر المناخ سيؤدي إلى تحويل إحدى أكثر المناطق جفافًا في إفريقيا إلى منطقة شديدة الرطوبة، وتظهر عمليات المحاكاة زيادة كبيرة (50 بالمئة بحلول عام 2040) في هطول الأمطار الموسمية بمنطقة الساحل.
- بحسب دراسة نشرها المعهد في 2022، فإن مناطق مثل الأجزاء الوسطى من مالي والنيجر وتشاد، التي تشكل عمليًا جزءًا من الصحراء الكبرى، ستستقبل كميات من الأمطار تعادل تلك المسجلة اليوم في وسط نيجيريا أو شمال الكاميرون التي تتمتع بمناخ استوائي غني بالنباتات.