وجهة نظر الشعبوية ومنهجية إدارة المالية العامة (1 من 3)

نشر في 29-08-2024
آخر تحديث 28-08-2024 | 19:21
 د. علي العبدالرزاق

تثار تساؤلات عدة حول أسباب تنامي دور التيار الشعبوي في البرلمان الكويتي خلال السنوات الأخيرة، وما إذا كان بالإمكان إيجاد حلول مناسبة تعيد الوضع إلى ما كان عليه قبل منتصف الثمانينيات عندما كانت التجربة البرلمانية فاعلة ومتناغمة إلى حد كبير مع جهود الإدارة الحكومية في تحقيق التنمية.

وقد أدى تنامي دور هذا التيار الشعبوي في الكويت إلى رفع درجة التوتر بين الحكومة والمجلس في السنوات العشر الأخيرة، مما ترتب عليه غياب الاستقرار السياسي وتكرار سيناريوهات الحل وصولا إلى تعليق البرلمان مؤخرا.

وقبل تناول الدوافع والحلول ينبغي التوضيح بأن الشعبوية populism مصطلح يشير إلى التيارات السياسية التي تقودها غالبا شخصيات تتسم بالكاريزمية تسعى إلى استقطاب العامة، من خلال طرح شعارات جاذبة، مثل تحقيق العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد، والدفاع عن مصالح العموم في مواجهة النخب والمؤسسات التقليدية، وهي غالبا ما تترافق مع طرح حلول مبسطة لمشاكل معقدة.

وتختلف أشكال الشعبوية من دولة إلى أخرى باختلاف الظروف السياسية والاقتصادية، فهناك شعبوية يمينية تركز على قضايا الهوية الوطنية والدين والهجرة، وهناك شعبوية يسارية تركز على نبذ التفاوت الاجتماعي ومحاربة الفقر وتعارض هيمنة الشركات الكبرى. وفي البلدان النفطية تتجلى الشعبوية من خلال إطلاق الوعود بتحسين مستوى المعيشة من خلال الهبات والإعانات وتوفير الوظائف والخدمات المجانية، بدلا من التركيز على الادخار أو الاستثمار في مشاريع البنى التحتية أو في مشاريع إنتاجية بعيدة المدى.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الشعبوية ليست بالضرورة أمرا سلبيا، إذ يمكن لها أن تسلط الضوء على قضايا مشروعة غالبا ما تغفلها النخب التقليدية، كما قد تحفز على القيام بإصلاحات ضرورية، وتسهم في زيادة نسبة المشاركة السياسية للفئات المهمشة. ومع ذلك، ورغم مشروعية بعض هذه الأهداف، فإن التركيز على تحقيق مكاسب آنية لإرضاء القواعد الشعبية يتعارض في كثير من الأحيان مع الجهود الرامية إلى تحقيق تنمية مستدامة، وما تتطلبه التنمية الحقيقية من بناء رأسمال بشري وطبيعي منتج.

وعادة ما تقترن السياسات الشعبوية بزيادة النفقات الجارية، وتفاقم عجز الميزانية العامة، وارتفاع حجم الدين العام. وبشكل عام، فإن المغالاة في الشعبوية تؤثر سلباً على الاستقرار السياسي والاقتصادي، بسبب التدخل المتكرر في القرارات الحكومية وعرقلة جهود التخطيط الاستثماري على المدى الطويل.

وسأحاول في الحلقة اللاحقة من هذه المقالة أن ألخص أبرز الأسباب التي أدت في حالة الكويت إلى تصاعد النبرة الشعبوية لأعضاء البرلمان في السنوات الأخيرة في ثلاثة محاور رئيسية.

* خبير اقتصادي

back to top