على وقع تحذيرات أمنية إسرائيلية من احتمال اندلاع انتفاضة جديدة في المنطقة المحتلة منذ عام 1967، أطلق الجيش الإسرائيلي حملة عسكرية وصفت بالأكبر في الضفة الغربية منذ عام 2002، بهدف اعتقال مطلوبين، وتدمير بنية تحتية لتشكيلات مسلحة تتطور بشكل لافت، ما تسبب في مقتل 11 وإصابة العشرات، وسط موجة تنديد واستنكار عربية وفلسطينية ضد التصعيد الذي يأتي بموازاة استمرار حرب غزة، وتعثر جهود وقفها الدبلوماسية.

وأفادت مصادر إسرائيلية بأن العملية الكبيرة التي تتم بمشاركة طائرات مقاتلة ومروحيات ومسيرات ستتواصل على مدار أيام، وستتركز في مدينة طوباس ومخيمي جنين، ونور شمس قرب طولكم، التي انطلق منها منفذ العملية الانتحارية في تل أبيب، وذكرت السلطات الفلسطينية أن الاعتداءات الإسرائيلية أسفرت عن سقوط 11 قتيلا وعشرات الجرحى، فضلا عن اعتقال العشرات، بعد ساعات من انطلاقها فجر أمس.

Ad

واجتاحت قوات الجيش الإسرائيلي مدينتي جنين وطولكرم ومخيماتهما، إضافة إلى مخيم الفارعة قرب طوباس، فيما ذكرت مصادر أن قوات الاحتلال حاصرت المستشفيات الثلاثة في جنين، وأخرجتها عن الخدمة عبر تجريف الشوارع المؤدية إليها وإقامة سواتر ترابية بمحيطها، وأمهلت سلطات الاحتلال سكان مخيم نور شمس، الذي يوصف بأنه معقل للفصائل الفلسطينية المسلحة، 4 ساعات لإخلاء منازلهم، قبل أن يجتاحه الجيش بأعداد كبيرة من الآليات العسكرية المعززة بالجرافات.

وتزامن التصعيد الكبير بالضفة، التي تتمركز بها السلطة الفلسطينية منذ اتفاق أوسلو للسلام، مع ليلة دامية في غزة أسفرت عن مقتل 39 فلسطينيا، وتوغلت الدبابات بشكل مفاجئ في الأحياء الشمالية لمدينة خان يونس، قبل أن تتراجع مخلفة دماراً واسعاً في عدد من البنايات السكنية والطرقات.

جبهة ومعالجة

وفيما حذرت أوساط فلسطينية من أن الحملة الكبرى تهدف إلى بسط السيطرة الإسرائيلية على الضفة، وإعلان عودة الحكم العسكري الإسرائيلي رسمياً لها، أطلق وزير الخارجية يسرائيل كاتس تصريحات اتهم فيها إيران بالسعي لإنشاء جبهة ضد الدولة العبرية في الضفة، على غرار غزة ولبنان، من خلال تمويل المقاتلين وتسليحهم.

وتوعد كاتس بتنفيذ عمليات «تهجير مؤقت وكل إجراء ضروري آخر» ضد الفلسطينيين في الضفة، كما حصل في غزة، لإحباط وتدمير ما زعم أنها «بنى تحتية معادية تعمل بإيحاء من طهران»، وتابع: «هذه حرب بكل معنى الكلمة ويجب الانتصار بها».

مواجهة وتحذير

في المقابل، قطع الرئيس الفلسطيني محمود عباس زيارته للسعودية لمتابعة «العدوان الإسرائيلي على شمال الضفة»، فيما أكد نبيل أبوردينة، الناطق باسم رئاسة السلطة، التي تتخذ من مدينة رام الله مقراً لها، أن «العدوان الإسرائيلي على الضفة الغربية يأتي استكمالا للحرب الشاملة على شعبنا وأرضنا ومقدساتنا، وهو تصعيد خطير تتحمل مسؤوليته تل أبيب وواشنطن، وسيؤدي إلى نتائج وخيمة وخطيرة سيدفع ثمنها الجميع».

وكان عباس بحث مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان سبل وقف النار في غزة والضفة، وأطلعه على مبادرته للتوجه إلى القطاع الفلسطيني المعزول والمحاصر، قبل أن يغادر المملكة جراء التصعيد الإسرائيلي الخطير الذي شمل مناطق انتشار قوات السلطة.

من جهتها، حذرت «حماس» من أن العملية التي تعد الأكبر منذ عملية «الدرع الواقي» التي جاءت في خضم الانتفاضة الثانية، هي محاولة عملية لتنفيذ مخططات حكومة المتطرفين بضم أراضي الضفة، وتوسيع الحرب القائمة في غزة.

وأشادت «حماس» بـ «عمليات التصدي البطولي من مختلف فصائل المقاومة في مخيمات الفارعة ونور شمس وجنين، لقوات الاحتلال الإرهابي على تخومها، من كتائب القسام وسرايا القدس وشهداء الأقصى وجميع مقاومي شعبنا»، داعية إلى «النفير العام وتصعيد جميع أشكال المقاومة والتصدي للاحتلال ومستوطنيه في كل مكان من أرضنا المحتلة».

كما دعت عناصر الأجهزة الأمنية في السلطة الفلسطينية إلى «الالتحاق بمعركة شعبنا المقدسة، والمضي في طريق المقاومة حتى دحر الاحتلال، ونيل شعبِنا حريتَه وحقَّه في تقرير مصيره». وندد القيادي عزت الرشق بتصريحات كاتس، ووصفها بأنها مخالفة للقوانين الدولية، ودعا المجتمع الدولي إلى العمل على «رفع الحماية التي توفرها الإدارة الأميركية لإسرائيل».

بدورها، وضعت حركة فتح، في بيان، «العدوان الهمجي على غزة والضفة الغربية» ضمن «حرب الإبادة الممنهجة منذ السابع من أكتوبر»، مؤكدة أن ذلك «لن يرهب شعبنا، أو يبدد إرادته في الحرية والاستقلال».

تنديد واسع

وعلى الصعيد الدولي، نددت عدة عواصم وجهات دولية، في مقدمتها القاهرة وعمان وجامعة الدول العربية، بالعملية العدوانية في الضفة.

ودانت القاهرة الاقتحامات العسكرية الإسرائيلية لشمال الضفة، معتبرة أنها «إمعان في الانتهاك الممنهج للقانون الدولي والإنساني».

استعداد وتأهب

وأتى غليان الضفة، الذي خطف الأنظار، في وقت غادر وفد فني إسرائيلي من «الموساد» و«الشاباك» إلى الدوحة، لمتابعة محادثات العمل مع ممثلي الدول الوسيطة في المفاوضات غير المباشرة مع «حماس»، حول اتفاق إطلاق سراح الرهائن ووقف الأعمال العدائية.

ومن المقرر أن يناقش الوفد سد الفجوات في الاتفاق، الذي تضغط واشنطن لإبرامه بعد سلسلة من المشاورات التي جرت في إسرائيل فور عودة رؤساء الوفود من القاهرة مطلع الأسبوع الجاري.​​​​​​​

ومع تراجع فرص نجاح الجهود الرامية لإقناع طرفي حرب غزة بإبرام اتفاق التهدئة، لفت المتحدث باسم البيت الأبيض لشؤون الأمن جون كيربي إلى أن إيران «على أهبة الاستعداد» لشن هجوم انتقامي ردا على اغتيال إسماعيل هنية، مؤكداً أن الولايات المتحدة «ستدافع عن إسرائيل إذا وقع هجوم». واستدرك كيربي: «رسالتنا الموجهة إلى إيران تطالبهم بعدم شن الهجوم، فلا داعي لبدء حرب إقليمية عن قصد»، مشيراً إلى أن «الأمل لا يزال يحدونا إزاء نجاح محادثات وقف النار في غزة».