يروى أنه بعدما فحص الطبيب الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان قال له الطبيب: هناك خبران، أحدهما مفرح والآخر سيئ، فرد الرئيس: أخبرني أولاً بالمفرح، فقال له الطبيب: «لديك سرطان»، أما الخبر السيئ فأنت مصاب بالزهايمر (الخرف)، فأجابه الرئيس: على الأقل لن أموت بالسرطان.
بهذه الحكاية المنسوبة لريغان نسي الرئيس أنه مصاب مسبقاً بالسرطان، مثلما ننسى أنفسنا في قضايا حياتية صغيرة وتافهة، وننسى الشيخوخة وكبر السن. وقال حكيم إن الكهولة هي الموت، الذي يأتي لك على أقساط تدفعها مع الزمن.
الشاعر الإسكندراني ـ اليوناني كفافي يصف العمر الطويل بأنه رجل عجوز مع جريدة/ يجلس متكوماً على طاولة هناك/ وكيف لم يستمتع من سنيه إلا القليل/ أيام كان قوياً، صحيحاً، معافى/ هو يفهم أنه عجوز... إنه يفهم كم قصير هو الطريق. الروائي همنغواي الذي أنهى حياته بطلقة نارية يصف الشيخوخة بأنها أمراض تتمدد بالجسد ثم مرة واحدة نجد أنفسنا فجأة عاجزين... بالكويتي «نتهردق».
في كل ثانية تنقضي يصل أبناء «بيبي بومر» إلى عمر السبعين وما فوق، بيبي بومر هم الذين ولدوا في العصر الذهبي، أي بعد الحرب العالمية الثانية وحتى تقريباً عام ٦٤ من القرن الماضي. عالِمٌ يعرف بداية الكهولة والشيخوخة بأنها السن التي تعجز فيها قدرة الإنسان عن الإنجاب، ويا خسارة، ليس له ولها عندها غير اجترار الذكريات عن أيامنا الحلوة ومغامراتها وطيشها الجميل.
نتمنى أن تكون لدينا مثل صورة دوريان غراي برواية أوسكار وايلد، فالصورة تكبر وتشيخ بينما يظل النرجسي دوريان شاباً جميلاً، حتى تتحطم الصورة ويموت بطلها. أو لعلنا نستطيع سبق سرعة الضوء، فنعود للوراء لأيام البراءة والفرح، ولو أن سهم الضوء عند آينشتاين ينطلق للأمام فقط، ويستحيل أن تصل إلى سرعته! بكلام آخر لا فائدة من الأوهام، ودعوها للأفلام.
تفتح جهاز تلفونك لتجد أرقام أصدقاء وأقرباء رحلوا، وكأنهم كانوا حلماً وانقضى... لا تتصل فقد يرد عليك أحدهم من العالم الآخر ويسألك: شنو أخبار الوزارة عندكم؟! وذكرت في مقال سابق أن أبيقور، الذي طلب أن يلقى به في الفلاة عندما يموت، بينما الصحيح هو كان دوجين الكلبي، الذي كان عدمياً مؤمناً بعدم جدوى الوجود، وعاش في برميل مثل الكلاب، ولما سأله مرة الإسكندر ماذا تريد كي أحققه لك، رد: أن تتحرك قليلاً لكيلا تحجب عني ضوء الشمس.
الزمن يمضي إلا أن الفلاسفة والفيزيائيين يختلفون ما إذا كان الزمن موجوداً أم لا، فلا بداية ولا نهاية، ولا عزاء للبشر غير ترديد عبارة آينشتاين بأنه لا توجد بداية ولا نهاية أبداً، فدائماً نحن موجودون بالبعد الرابع، وهو الزمن، هو البداية وهو النهاية... ماذا ستفعلون في هذا البعد الرابع غير قراءة مانشيتات صحفية مستهلكة تكرر وعوداً وزارية عن عالم كويتي بلا أبعاد ولا بشوت زاهية؟