في ثاني أيام حملته العسكرية الأكبر منذ عقدين ضد المناطق الخاضة لسيطرة السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية المحتلة، أعلن الجيش الإسرائيلي اغتيال قائد كتيبة طولكرم التابعة لـ «الجهاد» محمد جابر، الملقب بـ «أبوشجاع» و4 آخرين في اشتباك مسلح أمس.
وأفاد المتحدث باسم الجيش، أفيخاي أدرعي، بأن القوات الإسرائيلية قتلت الخمسة بعد تحصنهم بمسجد في مخيم نور شمس بطولكرم.
واتهم جابر «بالتورط في العديد من العمليات الإرهابية، وبتوجيه عملية إطلاق النار في شهر يونيو الماضي أسفرت عن مقتل الإسرائيلي أمنون مختار».
وبينما انسحبت قوات الاحتلال من مخيم الفارعة في طوباس عقب اشتباكات ضارية مع عناصر الفصائل الفلسطينية المسلحة، واصلت قوات كبيرة بدعم جوي حصار جنين وطولكرم ومخيماتهما، وسط عمليات تدمير ممنهج للبنية التحتية والطرقات وحصار للمستشفيات بعموم مناطق شمال الضفة، مما أدى لتضرر شبكة الكهرباء وتدمير خطوط المياه.
وأشار متحدث آخر باسم الجيش إلى أن عمليته الأضخم منذ الانتفاضة الثانية عام 2002 ستتواصل عدة أيام وربما أكثر، مضيفاً أن إسرائيل حددت «استراتيجية منهجية في إيران لتهريب الأسلحة والمتفجرات إلى الضفة الغربية التي شهدت أكثر من 150 هجوم إطلاق نار ومتفجرات انطلقت من مناطقها خلال العام الماضي».
تأكيد وضحايا
في المقابل، أكدت «الجهاد» اغتيال أبوشجاع الذي يوصف بأنه أحد مؤسسي كتيبة طولكرم الأوائل، وكان أحد أكبر المطلوبين لسلطات الاحتلال خلال السنوات الأخيرة، حيث نجا من محاولات سابقة للاغتيال، فيما شددت «حماس» على أن الضربة لن تكسر إرادة المقاومة.
وفي آخر احصائية لضحايا العملية التي تتركز بجنين وطوباس وطولكرم بشمال الضفة، ارتفع عدد القتلى إلى 17، فضلا عن إصابة العشرات واعتقال نحو 60، فيما أشارت تقارير إلى مقتل رجل من ذوي الإعاقة داخل منزله في «نور شمس» برصاص قناص إسرائيلي.
وفي غزة، قالت السلطات الصحة إن «قوات الاحتلال ارتكبت 4 مجازر وصل منها للمستشفيات 68 شهيدا و77 مصابا خلال 24 ساعة»، فيما وصفت صحيفة معاريف العبرية شهر أغسطس الجاري بأنه الأكثر دموية خلال الحرب المتعددة الجبهات، إذ قتلت الفصائل فيه 15 جنديا إسرائيليا بغزة والشمال.
في السياق، أكدت «حماس» قبولها إقرار هدنة إنسانية دعت الأمم المتحدة لها لمدة 7 أيام، بهدف إجراء حملة تطعيم ضد خطر انتشار فيروس شلل الأطفال، فيما تضاربت الأنباء بشأن قبول سلطات الاحتلال للخطوة.
تعزيزات وردّ
وبموازاة ارتفاع حدة التصعيد بالضفة وغزة وصلت تعزيزات كبيرة من الجيش الإسرائيلي إلى الجبهة الشمالية مع لبنان ومرتفعات الجولان السورية، تضمنت مجموعة كبيرة من المدافع والدبابات، فيما هاجم «حزب الله» بمسيرات انقضاضية مقر قيادة الفرقة 210 بثكنة «نفح».
وأوردت قناة «MTV» اللبنانية أن «البنتاغون» استدعت الملحقين العسكريين للدول العربية في واشنطن، وأبلغتهم بأن ردا إيرانيا وشيكا ضد إسرائيل، متوقع خلال يومين أو ثلاثة أيام.
ونقلت القناة عن مصادر أميركية قولها إن الرد الانتقامي لمقتل إسماعيل هنية سيكون محدوداً، ولن يؤدي إلى انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة.
ورغم خطف أحداث الضفة الأضواء عادت الأنظار إلى طهران، حيث أكد وزير الخارجية عباس عراقجي أن بلده لا يخشى من زيادة التوتر في المنطقة «لكننا على عكس الكيان الصهيوني لا نريد لهذا الصراع أن يتوسع».
وقال عراقجي إن طهران تسعى إلى خفض التصعيد «لكن آلة القتل الإسرائيلية تعمل على تصعيد الوضع»، معتبراً أن «القضايا الراهنة في فلسطين والانتهاكات الخاصة بالضفة وغزة تعد من أهم التحديات على المستوى الدولي».
وبمواجهة زيادة احتمالات تدهور الوضع الميداني واحتمال اندلاع مواجهة أوسع، تمسكت واشنطن بأن مفاوضات هدنة غزة على المستوى الفني التي استضافتها قطر أمس الأول كانت جيدة وحققت بعض التقدم.
وذكرت أوساط عبرية أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بحث مؤخرا إمكانية عقد اجتماع لحكومته في «محور فيلادلفيا» الحدودي بين غزة ومصر لإظهار تمسكه به.
ولفتت المعلومات إلى أن نتنياهو توقع أن تطرح الولايات المتحدة ودول الوساطة مقترحاً جديداً خلال أيام لحل الخلاف بين إسرائيل و»حماس» حول «فيلادلفيا» وممر نتساريم الفاصل بين شمال القطاع وجنوبه لإبرام الاتفاق الذي تراهن عليه إدارة الرئيس جو بايدن من أجل احتواء التوتر الإقليمي ومنع تحوله إلى حرب كبرى.
انقلاب ودراما
من جانب آخر، أفاد تقرير في موقع جويش كرونيكال البريطاني بأن فصائل فلسطينية تخطط لتنفيذ انقلاب ضد قائد «حماس» يحيى السنوار، بسبب الخلافات حول تشدده بشروط الصفقة التي يتم تشكيلها، فيما اخترق عدد من أقارب الرهائن الإسرائيليين بغزة، السياج الحدودي ودخلوا القطاع الفلسطيني، حيث يحتجز ذووهم، في مشهد درامي للضغط على نتنياهو بهدف قبول اتفاق تبادل المحتجزين وإقرار الهدنة.
عقوبات وتحذير
وعلى الصعيد الدولي، كشف مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أنه شرع في تحركات لإقرار عقوبات على وزراء إسرائيليين في مقدمتهم وزير الأمن ايتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش «يبعثون برسائل كراهية ضد الفلسطينيين، ويطرحون أفكاراً تمثل دعوة لارتكاب جرائم حرب».
وانتقد بوريل دعوات وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، لتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية على غرار ما يتم في غزة، معتبرا أنها «غير مقبولة إطلاقا».
ولفت إلى أن منظمات الأمم المتحدة تتعرض لضغط إسرائيلي كبير لمنعها من أداء عملها في غزة، حيث تسوء الأوضاع بلا أفق لقبول دعوات وقف النار، لكن كاتس اتهمه بالكذب، وأكد أنه لم يدعُ إلى تهجير الفلسطينيين من الضفة.
وأمس الأول، دفع تزايد اعتداءات المستوطنين المتطرفين على المدنيين الفلسطينيين، الإدارة الأميركية إلى فرض عقوبات على عدة مجموعات، في خطوة وصفها نتنياهو بالخطيرة.
وفي القاهرة، حذّر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، خلال استقباله وفدا من «الكونغرس» الأميركي، من الخطورة البالغة «للتصعيد الإسرائيلي الحالي بالضفة والذي يزيد بشدة من مخاطر تعقيد الموقف الإقليمي»، مشدداً على ضرورة «تضافر جهود المجتمع الدولي للعمل على تنفيذ حل الدولتين لإحلال السلام».