ضمن مقالة نُشرت قبل أسبوعين في «الجريدة» بعنوان «تجار العمالة السائبة»، قلت إنه طوال العقود الماضية، التي فاضت بشكاوى المواطنين من كثرة العمالة السائبة والعمالة الهامشية، وتكاثرت معها المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، لم تقم حكومة واحدة من حكوماتنا المتعاقبة بالتركيز على محاسبة تاجر الإقامات المتسبب الرئيسي في هذه المشكلة، التي أضحت ظاهرة تؤرق المهتمين بالأمن القومي. وبدلاً من قطع رأس الحية، لجأت تلك الحكومات إلى قطع ذيل الحية، بإلقاء القبض على العامل نفسه، وإبعاده عن البلاد، ليمنح تاجر الإقامات فرصة جديدة لجلب قائمة جديدة من العمالة السائبة والهامشية.

ويبدو أن الفرج آتٍ على يد الحكومة الحالية، التي بدأت بإعداد قائمة سوداء لتجار الإقامات، ولا أدري إن كانت هذه الحكومة تمتلك النَّفس الطويل والقوة السياسية والإدارية والاجتماعية لوقف نزيف المال العام من خلال إلغاء المناقصات الوهمية أولاً، ومن ثم إبعاد تجار الإقامات من المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، لتخفيف العبء عن المال العام، وتقليل الازدحام على الطرقات، وتخفيف الضغط عن المراكز الصحية والأسواق والسواحل، وغيرها من الأماكن العامة. فهل تواصل حكومة سمو الشيخ أحمد العبدالله شجاعتها وجرأتها في التصدي لهذه المشكلة التي تؤرق الدولة وتعبث بالتركيبة السكانية، وأحياناً بالهوية الكويتية؟

Ad

المشكلة أنه في فترة من الفترات كان معظم تجار الإقامات من المتنفذين والمعروفين لدى كل أطياف الشعب، ولكن بعد أن كثر اللغط حولهم، وأن بإمكان وزارة الداخلية ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، إضافة إلى الهيئة العامة للقوى العاملة والهيئة العامة للمعلومات المدنية، تحديد هوية تجار الإقامات، أو من لديهم شركات جلبت عمالة سائبة أو هامشية، وعندما أخذ الناس يتداولون أسماء هؤلاء التجار الذين هم في حقيقة الأمر تجار الرقيق الأبيض، عمدوا في السنوات الأخيرة إلى الابتعاد عن الأضواء والانزواء وراء الكواليس، بعد أن حوَّلوا ملكية شركاتهم إلى أناس غير معروفين لدى عامة الشعب، حتى إذا تداول الإعلام أسماءهم كتجار إقامات كان التجار الحقيقيون في منأى عن أي اتهام، حتى وإن توسطوا لأي متهم من التجار الجدد، الذين يعملون عمل الكومبارس.

ولأنني أعرف أن تجارة الرقيق الأبيض طبع غالب في نفوس وسلوكيات معظم هذه الفئة من التجار، لهذا أعتقد أن هناك من تجار الإقامات من لا يكتفي بشركة أو شركتين لجلب المزيد من العمالة السائبة والهامشية، طالما استطاع المتنفذ التخفي وراء أسماء غير معروفة اجتماعياً لتنفيذ جريمته بحق الكويت وفي حق البشر، وطالما ترك حبل المناقصات والرقابة والمحاسبة على الغارب.

لهذا لا أعتقد أن مجرد وضع شركات متهمة بالاتجار بالإقامات ضمن قائمة سوداء لحظر أي تعاملات جديدة معها، أو مجرد إغلاق ملفاتها بشكل نهائي لدى الهيئة العامة للقوى العاملة، أو الاكتفاء بفرض عقوبات وغرامات على هذه الشركات بسبب جلبها عمالة سائبة وهامشية لتعمل لدى غير كفلائها، أو ملاحقة هذه الشركات المخالفة قانونياً، سوف ينهي مسلسل تجارة الإقامات إلى الأبد. بل يجب فرض رقابة لصيقة على مُلاك وأصحاب الشركات الجديدة التي تتقدم لمناقصات فيها شبهة التربح من خلال تجارة الإقامات، ومتابعة لصيقة للتوكيلات الصادرة من وزارة العدل، والتي ورد فيها أسماء هؤلاء المُلاك لمنع التحايل على القوانين بأي طريقة. كما يجب على الهيئة العامة للمعلومات المدنية مواصلة إجراء المسح الميداني بشكل دوري، كل ثلاثة أو ستة أشهر مثلاً، للتأكد من صحة عناوين السكن المتعلقة بالعمالة الوافدة، من أجل إغلاق كل المنافذ التي يعبر منها تجار الإقامات لتحقيق مآربهم وتنفيذ جرائمهم بحق الديرة وفي حق البشر بشكل عام.