جرى العرف في الكويت أن تسافر العائلات في كل إجازة صيف، لتجنّب الحرارة الشديدة، ولتسلية الصغار والكبار في آنٍ واحد، وتتكبد الأسر الكويتية مبالغ طائلة لأجل ذلك، وكأنما أصبح السفر ضرورة من ضرورات المجتمع المرفّه التي لا يستطيع الكثيرون تحمّل تكلفتها.

أما الباقون في الكويت، أولئك «المناضلون»، فليس لهم سوى الأسواق والمطاعم كوسائل ترفيه محدودة، سرعان ما يكللها الملل والرتابة... فما الحل؟

Ad

وهنا نرى أن هنالك سببين رئيسيين لـ «هروب» الكويتيين في الصيف، وهما شدة الحرارة وقلة الأنشطة والمراكز الترفيهية، وكلتاهما مشكلة يمكن حلها بالطرق الصحيحة، فالكويت في أمسّ الحاجة إلى المساحات الخضراء التي أثبتت قدرتها على خفض درجة الحرارة بشكل ملحوظ، ويتم ذلك عن طريق التصميم الزراعي وتصميم المساحات بصورة احترافية landscape design، واختيار أنواع الأشجار والنباتات التي على نفس دائرة عرض موقعنا الجغرافي، فهي الأكثر قابلية للتأقلم مع مناخنا القاسي، ولنا في الدول الشقيقة أسوة حسنة، حيث استطاعت إحالة صحاريها إلى واحات أخّاذة، وذلك إضافة إلى خلق مساحات مظللة، وإضافة عنصر الماء كالنوافير وغيرها، والتي لها قدرة كبيرة على خفض درجة الحرارة.

ومن المهم هنا ذكر دور العمارة الخضراء في التقليل من درجة الحرارة بشكل كبير، فالابتعاد عن واجهات الزجاج - لاسيما في مضارب الشمس - وعدم استخدام الحديد المكشوف والأسمنت الثقيل، كلها تلطف حرارة الجو، خصوصاً إذا تم استبدال هذه المواد بأخرى صديقة للبيئة، فنحن بلد غني نمتلك الموارد الكافية للبناء بأفضل جودة.

ومن المبادرات الرائعة التي تسهم في تخضير الكويت محمية الشامية @shamiya_greenhouse، التي ذكرتها في مقال سابق، وهي محمية تنمو فيها مختلف أنواع النباتات والأزهار، فتخيلوا معي لو كان لكل منطقة في الكويت «رئة» خضراء تساعدها على التنفس، وفيها مساحات لعب للأطفال والأنشطة المجتمعية.

أما بالنسبة إلى الأنشطة، فإنّ الحفلات والمعارض - الشحيحة أساساً - تتوقف في فصل الصيف تماماً تحت ذريعة الحرارة وضَعف الإقبال، على الرغم من أن هذه الأنشطة غالباً ما تكون في الأماكن الداخلية المغلقة والمكيفة، فماذا عن ملايين الناس من مواطنين ومقيمين لم يستطيعوا السفر في هذا الموسم؟!

لذا أرى أنه من المهم جداً أن تستمر الأنشطة الترفيهية طوال أشهر السنة ببرنامج متكامل، ودمج المتعة بالفائدة عن طريق تقديم ورش العمل التي تطور المهارات أو المعارض الفنية للارتقاء بالذائقة العامة.

وهنالك العديد من المبادرات الفردية الجميلة التي جمعها حساب «لِست كويت» @listKuwait تحت عنوان «شنسوي؟»، حيث تجدون الأنشطة المتنوعة التي تناسب جميع الاهتمامات والفئات العمرية في الحساب، لكنها تبقى جهوداً شخصية نتمنى أن تنمو وتتطور تحت الدعم الحكومي اللازم من الجهات المعنية.

وأرى أنه ليس من الضروري السفر في كل إجازة، خصوصاً إذا كان عدد أفراد الأسرة كبيراً وتكاليف السفر عالية في مواسم العطلات، لكن تبقى البدائل محدودة للقضاء على الفراغ القاتل، الذي قد ينتج عنه بعض المشاكل الاجتماعية والتبعات الخطيرة، فمتى سنأخذ الموضوع بجديّة؟