كنا حين نستمع لأغنية المطرب المصري شعبان عبدالرحيم «أنا بكره إسرائيل» نبتسم، باعتبار أن الأغنية فكاهية أكثر منها تسجيل موقف، فالكل يكره إسرائيل، ولكن بعد أن كبرنا اكتشفنا أن شعبان كان أكثر وعياً وثقافةً من بعض المثقفين أو «المتثيقفين» العرب الذين كانوا وما زالوا يعتقدون أن دويلة صهيون ديموقراطية لا ترتكب جرائم، وأنها دولة لا تهزم، فجاء «طوفان الأقصى» ليثبت أنها مجرمة ومهزومة.

وبالطبع، فإن الذي يكره إسرائيل لن يكون مطبّعاً في يوم من الأيام، وأن المطبعين هم الذين يحبون إسرائيل، ومن أحب قوماً حُشر معهم، وبالتالي فإن شعبان عبدالرحيم كان من دعاة عدم التطبيع، لأنه يكره إسرائيل.

Ad

وربما كان تأثير شعبان على المجتمعات العربية، ولا يزال، أكبر بكثير من كتابات وآراء المطبعين العرب، ليس لأن هذه المجتمعات متخلفة ومهيأة للتأثر بشعبان، بل لأنه كان ولا يزال يمثّل نبض الشارع العربي الذي مهما حاولت وسائل الإعلام الماسونية التقليدية والحديثة (التلاعب بإعداداته) يبقى محمياً ببرامج حماية تمت صناعتها وفق قواعد الأصالة الدينية والثقافية العريقة التي لا تسمح للمنحرف أن ينحرف، وإنما تسهم بتعرية الشاذ إن أراد الشذوذ.

ورغم أني لست من «سمّيعة» الغناء، فإني لو سمعت «أنا بكره إسرائيل» وأمثالها من الأغاني فإني أنتشي طرباً، فمثل هذه الأغاني تمثّل نبض ثقافتنا الأصيل، ولا تخاطب الغرائز كبعض الأغاني، لكن مشكلتي أني ما زلت أعاني بشدة من لفظة «إسرائيل» التي أراها نوعاً من القبول بالتطبيع، وأني فيما بقي من عمري لن أنطق في كل الأحوال «إسرائيل»، بل سأظل أسميها «صهيون»، وأسمي كل شعبها الذي جاء من كل فج عميق إلى فلسطين صهاينة، وبسبب عمق كرهي لهم ولكل الشياطين الرجيمة عموماً، أرى أن لفظة إسرائيل تدخل ضمن قاموس التطبيع لا قاموس المقاومة.

وربما يكون شعبان عبدالرحيم مجرد مطرب أراد أن يسجل موقفاً شعبياً خالداً، لكن الأبطال أمثال إسماعيل هنية أو يحيى السنوار ليسوا مجرد باحثين عن الحرية بصدق، بل هما مارسا دوريهما كقائدين بطلين وجدا تقديراً لدى هذه الأمة المتعطشة والباحثة عن نموذج البطل الخالد الذي افتقدته منذ غزوة بدر وبعض الغزوات القليلة التي لحقتها.

أما معظم معارك الأمة خلال الـ 1000 سنة الأخيرة، فكانت كلها تقريباً قد تجاهلت الأبطال الحقيقيين الذين كان الوجدان العربي يبحث عنهم، وخلدت أسماء هي لمجموعة من سارقي الانتصارات لا أكثر، ولذا، فإن أسماء القادة الحاليين في «طوفان الأقصى» ربما هي المرة الأولى التي تكون فيها أسماء الأبطال الحقيقيين هي نفسها الأسماء المخلدة في وجدان الأمة، بعدما قرأنا أو عاصرنا أبطالاً من ورق خلال المئة سنة الأخيرة حققوا انتصارات وهمية وهم يقودون معاركهم من السراديب، وينتهي بهم المطاف في حفرة أو منزل بدائي هرباً من مصيرهم النهائي، ورغم ذلك ما زالت بعض الجماهير تردد أسماءهم بأصوات مرتفعة، أو على استحياء، كأبطال دونكيشوتيين حاربوا الطواحين بشجاعة، رغم شعورها بـ «لا بطولتهم»، لأنها ما زالت تبحث عن النموذج الغائب عن وجدانها، وتحاول استبداله دوماً بأسماء لا علاقة لها بالبطولة، ولا عهد لها بالقيادة، ليس لأن هذه المخلوقات تشابهت عليها، ولكن لأنها كأمة متمسكة ببعض الأسماء كـ «تصبيرة» حتى يجود لها الزمن بأبطال حقيقيين يرفعون راية التحرر الحقيقي.