«جنرال الصقيع» سيقاتل إلى جانب طرفَي الصراع هذه المرة
الشتاء قد يبطئ التقدم الأوكراني لكن كييف تبقى أكثر جاهزية من القوات الروسية المتخبّطة
نجحت أوكرانيا في استرجاع مساحات هائلة من الأراضي في شرق البلاد خلال الأشهر الأخيرة، لكن يتوقع المسؤولون الأميركيون أن يتباطأ إيقاع القتال مع بدء الشتاء، لأن القوات المسلّحة الروسية والأوكرانية ستتعامل حينها مع التضاريس الموحلة، وغياب الغطاء الأرضي، والبرد القارس الذي يُحبِط المعنويات.
كانت فصول الشتاء الجليدية في المنطقة قد صبّت في مصلحة موسكو في الماضي، فسهّلت كبح تقدّم قوات نابليون وأدولف هتلر التي كانت تفتقر إلى الجاهزية، وحصدت بذلك لقب «جنرال الصقيع» أو «جنرال الشتاء»، لكن في أوكرانيا، تواجه موسكو خصماً معتاداً على هذه الظروف، حتى أن المحللين يتوقعون أن يساعد الشتاء الجيشَين بطرقٍ مختلفة بدل أن يعوق مسارهما.
يقول مايكل كوفمان، خبير في شؤون الجيش الروسي في منظمة CNA في فرجينيا: «أظن أن الاختلاف الأساسي يتعلق بجاهزية القوات الأوكرانية للتعامل مع هذه الظروف. لكن قد تواجه أوكرانيا على الأرجح أصعب مهمة حين تضطر لإطلاق عمليات هجومية فيما يبقى الجيش الروسي في موقع الدفاع».
منذ بداية الحرب، تلقّت أوكرانيا مساعدات عسكرية وإنسانية من بلدان غربية كثيرة، فأصبحت قواتها العسكرية أكثر جاهزية لمواجهة أشهر البرد المرتقبة، ففي شهر أكتوبر، أعلنت كندا أنها بصدد إرسال نحو نصف مليون قطعة من معدات مكافحة البرد، وشملت أحدث حزمة مساعدات عسكرية من واشنطن إلى القوات الأوكرانية 200 مولّد كهربائي.
لكن لا يحمل الشتاء في هذه المنطقة خصائص موحّدة، فقد يؤدي الجليد الفائق، بحلول شهر فبراير بشكل عام، إلى تصلّب الصخور الأرضية ويمهّد لزيادة المناورات الطموحة في مرحلة مبكرة من السنة المقبلة. يقول فريد كاغان، مسؤول بارز في «معهد أميركان إنتربرايز»: «سيصبّ الوضع حينها في مصلحة القوة التي تستطيع الاستفادة من هذه الظروف، ويُعتبر الأوكرانيون عموماً في موقعٍ أفضل بكثير من الروس للاستفادة من الوضع».
تملك أوكرانيا مبررات عدة للحفاظ على زخم القتال ومتابعة التفوق على القوات الروسية، ففي شهر نوفمبر اضطر الجيش الروسي للانسحاب من مدينة خيرسون الجنوبية، بعدما زادت عزلة القوات الروسية من جراء الضربات الأوكرانية التي استهدفت الجسور على طول نهر «دنيبر» المجاور، وتعهد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، عند زيارته المدينة المُحرّرة، بمتابعة القتال حتى تحرير جميع الأراضي المحتلة.
يوضح كوفمان: «تقضي الاستراتيجية الأوكرانية، من وجهة نظري، بمتابعة الضغط على القوات الروسية لمنعها من إعادة تنظيم صفوفها، وإبقاء الجيش الروسي في موقع الدفاع بحلول الربيع، والسماح لأوكرانيا بالحفاظ على زمام المبادرة».
في غضون ذلك، تتعدد المؤشرات التي تثبت إصرار موسكو على المضي قدماً، وتكشف صور الأقمار الاصطناعية التجارية أن القوات الروسية بدأت تبني الخنادق والتحصينات المضادة للدبابات على طول أميال، وتقول دارا ماسيكوت، باحثة سياسية مرموقة في «مؤسسة راند»: «في الوقت الراهن، يبني الروس خطوطاً دفاعية في جنوب خيرسون، فهم ينفذون الخطة نفسها في زابوريزهزهيا، وبدؤوا بتنفيذها في لوهانسك وبعض أجزاء دونيتسك. لقد أصبح الخط الأمامي للقتال أصغر حجماً الآن، وهو يشمل عدداً متزايداً من العناصر، مما يعني أنهم يستطيعون إنشاء خط دفاعي أكثر كثافة يتألف من صفوف متعددة، ومع مرور الوقت، ستُصعّب هذه العملية على الأوكرانيين مواجهتهم في المرحلة المقبلة».
بعد الضربات التي تعرّضت لها القوات المسلحة الروسية خلال أشهر القتال، من المنطقي أن تختار موسكو حفر مواقع دفاعية واستغلال فصل الشتاء لكسب الوقت وإعادة بناء قواتها العسكرية، لكن منذ اليوم الأول للغزو، بدت الأهداف السياسية التي يسعى إليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال الحرب منفصلة بالكامل عن وقائع ساحة المعركة. يقول كاغان: «أَمَر بوتين جيشه بتنفيذ مجموعة متنوعة من التحركات الغبية عسكرياً على مر هذه الحرب».
عملياً، لم توقف روسيا كامل جهودها الرامية إلى السيطرة على المزيد من الأراضي في دونباس، تزامناً مع استمرار القتال الوحشي في محيط مدينة «بخموت» الصغيرة في إقليم دونيتسك، وتفاجأ المراقبون بوحشية القتال للسيطرة على «بخموت»، مع أنها لا تحمل أهمية استراتيجية كبرى، ويوضح كاغان: «يتكل الروس على حملة هجومية مكثفة في إقليم دونيتسك، وهم لا يتوقعون طبعاً أن ينتهي القتال عند الاستيلاء على «بخموت» لأن هذه المنطقة ليست بالغة الأهمية». برأيه، يتعلق تفسير محتمل لاستمرار القتال في المنطقة بمنح بوتين نجاحاً معيّناً كي يجاهر به أمام الرأي العام في روسيا، وفي أول أيام الحرب، حاولت موسكو تبرير الغزو عبر إطلاق ادعاء مزيّف حول تحرير إقليمَي دونيتسك ولوهانسك من القمع الأوكراني، ونجحت القوات الروسية في الاستيلاء على منطقة لوهانسك كلها تقريباً، لكن لا تزال معظم أجزاء دونيتسك تحت سيطرة أوكرانيا.
يضيف كاغان: «بدا وكأن بوتين مستعد للتخلي عن مدينة خيرسون وغربها إذا نجح في الاقتراب من الأجزاء المتبقية من دونيتسك، فيتمكن حينها من إعلان نجاحه في تحقيق هذا الهدف على الأقل. لم يُصدِر الكرملين أي بيانات رسمية للتأكيد على تمسّك الرئيس الروسي بمنطق التفكير هذا».
وجدت روسيا وسائل أخرى للاستفادة من الشتاء، فقصفت أنظمة الطاقة والتدفئة في أوكرانيا بضربات صاروخية في الأسابيع الأخيرة، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي في أنحاء البلد، فكانت هذه العملية تهدف إلى إحباط معنويات الرأي العام وزيادة الضغوط على حكومة زيلينسكي، ويوم الثلاثاء قبل الماضي، اتّهم أمين عام حلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، بوتين بمحاولة استعمال فصل الشتاء «كسلاح حرب»، حين كان وزراء خارجية الحلف مجتمعين في بوخارست حيث تعهدوا بدعم أوكرانيا ومساعدتها على إصلاح شبكات الطاقة المحلية، وقبل أيام أعلنت إدارة بايدن أيضاً تقديم حزمة من المساعدات الطارئة إلى أوكرانيا بقيمة 53 مليون دولار لإضاءة البلد على مر الشتاء.
أخيراً، سعت موسكو إلى الاستفادة من الشتاء لإضعاف الدعم الغربي لكييف، بعدما أصرّت الحكومات على متابعة تقديم كميات هائلة من المساعدات العسكرية والإنسانية إلى أوكرانيا، رغم المصاعب التي يواجهها الناس في تلك البلدان بسبب تحليق أسعار الطاقة بعد بدء الغزو الروسي. من المتوقع أن تستغل روسيا هذا التوتر لمصلحتها، ويذكر تقرير جديد صادر عن «معهد رويال يونايتد للخدمات» في بريطانيا أن موسكو ستطلق على الأرجح «حملة معلومات... لمحاولة إقناع الرأي العام الغربي بإنفاق الأموال محلياً بدل إرسالها إلى الخارج... بدأت الضغوط نفسها تستهدف أوكرانيا وأوروبا في آن».
*إيمي ماكينون
كانت فصول الشتاء الجليدية في المنطقة قد صبّت في مصلحة موسكو في الماضي، فسهّلت كبح تقدّم قوات نابليون وأدولف هتلر التي كانت تفتقر إلى الجاهزية، وحصدت بذلك لقب «جنرال الصقيع» أو «جنرال الشتاء»، لكن في أوكرانيا، تواجه موسكو خصماً معتاداً على هذه الظروف، حتى أن المحللين يتوقعون أن يساعد الشتاء الجيشَين بطرقٍ مختلفة بدل أن يعوق مسارهما.
يقول مايكل كوفمان، خبير في شؤون الجيش الروسي في منظمة CNA في فرجينيا: «أظن أن الاختلاف الأساسي يتعلق بجاهزية القوات الأوكرانية للتعامل مع هذه الظروف. لكن قد تواجه أوكرانيا على الأرجح أصعب مهمة حين تضطر لإطلاق عمليات هجومية فيما يبقى الجيش الروسي في موقع الدفاع».
منذ بداية الحرب، تلقّت أوكرانيا مساعدات عسكرية وإنسانية من بلدان غربية كثيرة، فأصبحت قواتها العسكرية أكثر جاهزية لمواجهة أشهر البرد المرتقبة، ففي شهر أكتوبر، أعلنت كندا أنها بصدد إرسال نحو نصف مليون قطعة من معدات مكافحة البرد، وشملت أحدث حزمة مساعدات عسكرية من واشنطن إلى القوات الأوكرانية 200 مولّد كهربائي.
لكن لا يحمل الشتاء في هذه المنطقة خصائص موحّدة، فقد يؤدي الجليد الفائق، بحلول شهر فبراير بشكل عام، إلى تصلّب الصخور الأرضية ويمهّد لزيادة المناورات الطموحة في مرحلة مبكرة من السنة المقبلة. يقول فريد كاغان، مسؤول بارز في «معهد أميركان إنتربرايز»: «سيصبّ الوضع حينها في مصلحة القوة التي تستطيع الاستفادة من هذه الظروف، ويُعتبر الأوكرانيون عموماً في موقعٍ أفضل بكثير من الروس للاستفادة من الوضع».
تملك أوكرانيا مبررات عدة للحفاظ على زخم القتال ومتابعة التفوق على القوات الروسية، ففي شهر نوفمبر اضطر الجيش الروسي للانسحاب من مدينة خيرسون الجنوبية، بعدما زادت عزلة القوات الروسية من جراء الضربات الأوكرانية التي استهدفت الجسور على طول نهر «دنيبر» المجاور، وتعهد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، عند زيارته المدينة المُحرّرة، بمتابعة القتال حتى تحرير جميع الأراضي المحتلة.
يوضح كوفمان: «تقضي الاستراتيجية الأوكرانية، من وجهة نظري، بمتابعة الضغط على القوات الروسية لمنعها من إعادة تنظيم صفوفها، وإبقاء الجيش الروسي في موقع الدفاع بحلول الربيع، والسماح لأوكرانيا بالحفاظ على زمام المبادرة».
في غضون ذلك، تتعدد المؤشرات التي تثبت إصرار موسكو على المضي قدماً، وتكشف صور الأقمار الاصطناعية التجارية أن القوات الروسية بدأت تبني الخنادق والتحصينات المضادة للدبابات على طول أميال، وتقول دارا ماسيكوت، باحثة سياسية مرموقة في «مؤسسة راند»: «في الوقت الراهن، يبني الروس خطوطاً دفاعية في جنوب خيرسون، فهم ينفذون الخطة نفسها في زابوريزهزهيا، وبدؤوا بتنفيذها في لوهانسك وبعض أجزاء دونيتسك. لقد أصبح الخط الأمامي للقتال أصغر حجماً الآن، وهو يشمل عدداً متزايداً من العناصر، مما يعني أنهم يستطيعون إنشاء خط دفاعي أكثر كثافة يتألف من صفوف متعددة، ومع مرور الوقت، ستُصعّب هذه العملية على الأوكرانيين مواجهتهم في المرحلة المقبلة».
بعد الضربات التي تعرّضت لها القوات المسلحة الروسية خلال أشهر القتال، من المنطقي أن تختار موسكو حفر مواقع دفاعية واستغلال فصل الشتاء لكسب الوقت وإعادة بناء قواتها العسكرية، لكن منذ اليوم الأول للغزو، بدت الأهداف السياسية التي يسعى إليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال الحرب منفصلة بالكامل عن وقائع ساحة المعركة. يقول كاغان: «أَمَر بوتين جيشه بتنفيذ مجموعة متنوعة من التحركات الغبية عسكرياً على مر هذه الحرب».
عملياً، لم توقف روسيا كامل جهودها الرامية إلى السيطرة على المزيد من الأراضي في دونباس، تزامناً مع استمرار القتال الوحشي في محيط مدينة «بخموت» الصغيرة في إقليم دونيتسك، وتفاجأ المراقبون بوحشية القتال للسيطرة على «بخموت»، مع أنها لا تحمل أهمية استراتيجية كبرى، ويوضح كاغان: «يتكل الروس على حملة هجومية مكثفة في إقليم دونيتسك، وهم لا يتوقعون طبعاً أن ينتهي القتال عند الاستيلاء على «بخموت» لأن هذه المنطقة ليست بالغة الأهمية». برأيه، يتعلق تفسير محتمل لاستمرار القتال في المنطقة بمنح بوتين نجاحاً معيّناً كي يجاهر به أمام الرأي العام في روسيا، وفي أول أيام الحرب، حاولت موسكو تبرير الغزو عبر إطلاق ادعاء مزيّف حول تحرير إقليمَي دونيتسك ولوهانسك من القمع الأوكراني، ونجحت القوات الروسية في الاستيلاء على منطقة لوهانسك كلها تقريباً، لكن لا تزال معظم أجزاء دونيتسك تحت سيطرة أوكرانيا.
يضيف كاغان: «بدا وكأن بوتين مستعد للتخلي عن مدينة خيرسون وغربها إذا نجح في الاقتراب من الأجزاء المتبقية من دونيتسك، فيتمكن حينها من إعلان نجاحه في تحقيق هذا الهدف على الأقل. لم يُصدِر الكرملين أي بيانات رسمية للتأكيد على تمسّك الرئيس الروسي بمنطق التفكير هذا».
وجدت روسيا وسائل أخرى للاستفادة من الشتاء، فقصفت أنظمة الطاقة والتدفئة في أوكرانيا بضربات صاروخية في الأسابيع الأخيرة، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي في أنحاء البلد، فكانت هذه العملية تهدف إلى إحباط معنويات الرأي العام وزيادة الضغوط على حكومة زيلينسكي، ويوم الثلاثاء قبل الماضي، اتّهم أمين عام حلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، بوتين بمحاولة استعمال فصل الشتاء «كسلاح حرب»، حين كان وزراء خارجية الحلف مجتمعين في بوخارست حيث تعهدوا بدعم أوكرانيا ومساعدتها على إصلاح شبكات الطاقة المحلية، وقبل أيام أعلنت إدارة بايدن أيضاً تقديم حزمة من المساعدات الطارئة إلى أوكرانيا بقيمة 53 مليون دولار لإضاءة البلد على مر الشتاء.
أخيراً، سعت موسكو إلى الاستفادة من الشتاء لإضعاف الدعم الغربي لكييف، بعدما أصرّت الحكومات على متابعة تقديم كميات هائلة من المساعدات العسكرية والإنسانية إلى أوكرانيا، رغم المصاعب التي يواجهها الناس في تلك البلدان بسبب تحليق أسعار الطاقة بعد بدء الغزو الروسي. من المتوقع أن تستغل روسيا هذا التوتر لمصلحتها، ويذكر تقرير جديد صادر عن «معهد رويال يونايتد للخدمات» في بريطانيا أن موسكو ستطلق على الأرجح «حملة معلومات... لمحاولة إقناع الرأي العام الغربي بإنفاق الأموال محلياً بدل إرسالها إلى الخارج... بدأت الضغوط نفسها تستهدف أوكرانيا وأوروبا في آن».
*إيمي ماكينون