من صيد الخاطر: «إذا تفرَّقت الغنمُ قادتها العنزُ الجرباء»
«إذا تفرَّقت الغنمُ قادتها العنزُ الجرباء»، مثل عربي قديم لا يغيب معناه عن الفطن النبيه، وهو يُقال عندما تتفرَّق الأيدي، ويعمُّ التناحر بين الجمع، ويتنافس المتنافسون من أجل مصالحهم الخاصة على حساب أمن ومصالح قومهم وبلدهم وأمتهم.
عندها يعتزلهم عزيزو القوم وحكماؤهم، حفاظاً على كرامتهم ومكانتهم، فيتقدم عليهم الوضيع ليقودهم برضاهم، فينقادون لما يقوله ويفعله، عندها تكون نهايتهم ونهاية بلدهم، فلم نسمع يوماً أن حكم إمّعة أمة فأفلحت، فمصير ذلك البلد محكوم بالفشل الحتمي، ومآله الانحدار والتقهقر عن سائر الأقوام والأمم، وحتى التقسيم.
وهو مثلٌ انطبق على كثير من الأمم الفاشلة، فما إن تفرَّقت أيدي شعوبها، بسبب خيانة أحزابها وزعمائها الظالمين الفاشلين، حتى وقعت بلادهم تحت قبضة وبراثن الطامعين فيها، فتنافس عليها القريب والبعيد، لترتمي في أحضان الفائز منهم، ليسوسهم كما يريد، وليحميهم من شعوبهم، وليتفضل عليهم بمناصبهم وأموالهم، فسقطوا وأسقطوا معهم أممهم تحت أقدام أصحاب نعمتهم الجدد، وأصبحوا في أيديهم ألعوبة لا فكاك منهم، يديرون بهم وعن طريقهم شؤون بلادهم.
دول عربية عديدة تفرَّقت شعوبها بسبب سوء حُكامها، وخيانة زعماء أحزابها، فسقطت لقمة سائغة في أيدي أعداء أمتها، وتحت سنابك خيولها، هذا ما حصل في العراق، وسورية، ولبنان، واليمن، وليبيا، والسودان، فتسببوا حرفياً، ومن دون مبالغة ولا تجنٍّ، بتقسيمها وإضعافها.
هذا هو ما حصل فعلياً لها، فحسن البشير باع الجنوب حفاظاً على عرشه، وها هو السودان الآن مدمَّر وأهله مهجَّر ومعرَّض لمزيد من التقسيم، بسبب تكالب وتقاتل أحزابه على السُّلطة، وها هو اليمن مقسَّم وفاشل، بسبب الحوثيين وخيانتهم لبلدهم، وها هي ليبيا مقسَّمة، بسبب تناحر أمراء حربها. أما لبنان، فقد خسر نفسه بالكامل عندما تولَّى كل أموره حسن، الموالي لغير أمته.
دول كان لها شأن، كان لها جيوشها، وعُملاتها المعتبرة، واقتصادها القوي، وحكوماتها المستقلة، فلما تمادى طُغاتها في غيهم وظلمهم انقلبت عليهم شعوبهم، ولما تفرَّقت شعوبهم إلى شيع وأحزاب باسم الديموقراطية، وقعوا كغيرهم ممن سبقوهم ضحية تشرذمهم، فسطا على بلادهم الوضيع منهم، فتحوَّلت بلادهم إلى أمم فاشلة تستجدي الحماية والعون من الخارج.
فتفرُّق الأيدي يعني فقدان الوحدة والتكاتف بين أفراد الشعب الواحد، وتفرُّق الكلمة بين أفراد المجتمع يؤدي إلى تقدُّم حثالتهم من فاقدي الولاء والقيم، ليقودوهم نحو الفوضى والدمار، وعندها يحق أن يُطلق عليهم المثل: «إذا تفرَّقت الغنمُ قادتها العنزُ الجرباء».