رياح وأوتاد: قطار «جدة - مكة - المدينة»... والتنمية
ركبت القطار من محطة مطار جدة إلى محطة مكة ثم من مكة إلى محطة المدينة المنورة، ورأيت كم هذه المحطات الثلاث كبيرة وحديثة وجميلة ونظيفة، وبها محال تسوق ومقاهٍ، وأماكن انتظار مريحة للمسافرين، وهي لا تقل أبداً عن أي محطة مررت بها في أوروبا، ولا تكاد تخطو خطوتين إلا وتجد موظفاً بالزي الرسمي يدلّك على جهاز وضع تذكرتك الإلكترونية، أو موظفة بالزي الإسلامي، محجبة أو منتقبة، ترشدك إلى مكان رصيف قطارك، وفي أي عربة تجد مقعدك، فهنيئاً للشقيقة السعودية على هذا الإنجاز، فليست العبرة في بناء المحطات وجلب القطارات السريعة فقط، بل العبرة أن هذه المحطات والقطارات يشغّلها ويشرف عليها وعلى الركاب عمالة وطنية بالكامل، وهذه هي التنمية الحقيقية، وليست التنمية في بناء مشاريع ضخمة تشكل فرص عمل كثيرة لغير المواطنين، بينما يتكدس المواطنون في الحكومة ببطالة مقنعة، وهذا هو التحدي الأكبر أمام حكومتنا الحالية، لأن الإنجاز الحقيقي ليس بانتهاء مبنى المطار الجديد ولا ميناء مبارك بما معه من مناطق حرة وصناعية، وأيضاً ليس في الانتهاء من مشروع القطار الذي سيوصل الكويت بالمدن الخليجية، ولكن الإنجاز المطلوب هو أن يعمل ويدير أهل الكويت جميع هذه المشروعات بالكامل، بما فيها الأمور الفنية والبسيطة، فهل أعدت الحكومة مخرجات التعليم والتدريب للعمل فيها وإدارتها من الآن، خصوصاً أن عشرات الآلاف من الكويتيين سيتخرجون في الجامعات والتعليم التطبيقي والثانوية العامة خلال فترة بناء هذه المشروعات؟
إن التنمية الحقيقية هي في خلق فرص عمل منتجة يستفيد منها المواطن، وتحقق إيرادات مالية جديدة للبلاد، وتتقدم بها الدولة في سائر المجالات، خصوصاً الاقتصادية، وحتى المتقاعدون يمكن الاستفادة من خبراتهم في هذه المشروعات، إضافة إلى تحسين دخلهم، وبغير هذه التنمية الحقيقية لا تحلموا بتعديل التركيبة السكانية.