إن يقين الإنسان بأهمية التعليم في بناء الوطن لا يتولَّد بين يومٍ وليلة، ولا بد أن يصدر ممن لديه قناعة راسخة بذلك. وعلى مدى عقدين من الزمن وجدنا اهتماماً بالغاً من حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدَّى بالتعليم، فقبل ثمانية عشر عاماً في مايو 2006، أكد سموه «أهمية استمرار التعليم والتدريب للنهوض بمستوى القوات المسلحة، من أجل الحفاظ على أمن واستقرار الكويت»، كما أوضح «أهمية الاستمرار في التحصيل العلمي، حتى يكون الخريجون قدوة لغيرهم...».
وتبدو قناعة سموه راسخة حتى يومنا هذا، ففي يوليو من العام الماضي أشار سموه في حفل تكريم المتفوقين إلى أن «وطننا العزيز، قيادةً وحكومةً، يهتم بالاستثمار في العنصر البشري، باعتباره رأسماله، وتهتم دولة الكويت في رؤيتها بإصلاح نظام التعليم، لإعداد شباب يتمتعون بقدرات تنافسية وإنتاجية لقوة العمل الوطنية».
ومن هذا المنطلق جاءت استجابة سموه الأسبوع الماضي واضحة وجليَّة لضرورة التغيير الوزاري، نظراً لما أصاب التعليم في الفترة الأخيرة، وقد أبدت الأوساط التربوية والأكاديمية بالدولة ارتياحاً كبيراً بتعيين الأستاذ الدكتور نادر الجلال وزيراً للتعليم العالي والبحث العلمي، وزيراً للتربية بالوكالة.
وقد جاء التعيين مع بداية العام الدراسي لجميع مؤسسات التعليم بالدولة، والجمعية الكويتية لجودة التعليم على قناعة، بعد عون المولى، عز وجلّ، بقدرة الوزير على تحمُّل هذه المسؤولية، لكونه أكاديمياً مميزاً شهد له كل مَنْ تعامل معه بقسم الكيمياء وكلية العلوم وجامعة الكويت، فتقلَّد المناصب القيادية، مُتدرجاً من رئاسة القسم، انتهاءً بمدير للجامعة، مما يؤهله، من دون شك، لإدارة ملف التعليم في هذا الوقت بالتحديد، مما يجعل الجمعية، ممثلة بمجلس إدارتها وأعضائها، تمد يد التعاون اللامحدود في سبيل النهوض بالتعليم وجودته مع ما تضمنه أول تصريح لمعالي الوزير بعد أدائه للقَسم.
نأمل من الوزير إعطاء الأولوية والإمعان في القضايا التي طرحتها الجمعية بتقاريرها الأخيرة، وآثارها السلبية على العملية التعليمية، وإنهاء تكليف مديري الجامعات الحاليين، وإعادة تكليف آخرين، ليشكِّلوا لجان تحقيق محايدة، لفحص ما يشوب القرارات الإدارية والأكاديمية السابقة من تعيينات وترقيات وبعثات، لأنه المطلب الذي أصبح مُلحاً للحفاظ على المسيرة الجامعية، وهو ما نتفق عليه وأصحاب الاختصاص، على أن يتم بالتوازي البدء بإجراءات تعيين مديري الجامعات وعمداء الكليات بالأصالة، لتوفير الاستقرار لهذه الصروح الأكاديمية التي عانى بعضها في الشهور القليلة الماضية.
إضافة لذلك، فإن ما طرحته الجمعية بشأن القضايا المتعلقة بـ «التطبيقي» يُعد بالغ الأهمية، كإعادة الهيكلة، ووضع حدٍّ للغش والتسرُّب والسرقات العلمية، إضافة إلى مراجعة الترقيات والبعثات، مع ضرورة تعيين العمداء بالأصالة.
أما وزارة التربية، فقد جاء قرار فصلها عن وزارة التعليم العالي حصيفاً، نظراً للحجم الكبير لقطاع التعليم العام، حيث أشرنا في السابق إلى أهمية إعادة النظر في النظام التعليمي ككل، والتحقق من حالات النجاح الوهمي والغش، ومراجعة الترقيات المخالفة وعشرات القرارات التعسفية بإنهاء الخدمات والتقاعد، وضرورة وضع حدٍّ لسوء الإدارة، بإقصاء المتجاوزين وسد الشواغر في ستة مناصب قيادية وعشرين منصباً آخر بالوكالة، مما يستوجب التعيين بالأصالة، بعد إعادة النظر واختصار الهيكل الوظيفي ككل.
إنها خطوة جديدة تبعث فينا مزيداً من التفاؤل والأمل، في ظل قيادة جادة للنهوض بالتعليم بأسلوب أكثر مهنية، واثقين بأن ينتهجه الدكتور نادر الجلال، ليصبح التعليم بأيدٍ أمينة.
***
إن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي.