تقدّمت الحركة السياسية والدبلوماسية الداخلية، على مسار المواجهة العسكرية المفتوحة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي منذ أكثر من عشرة أشهر. إنها المرّة الأولى التي يشهد فيها لبنان نشاطاً دبلوماسياً مكثفاً سيستكمل الأسبوع المقبل من سفراء الدول الخمس المعنية بلبنان أي الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية ومصر وقطر، للوصول إلى تفاهم حول إنجاز الانتخابات الرئاسية وفصل المسار الرئاسي عن مسار الحرب في الجنوب. يختلف التحرك هذه المرّة من حيث الشكل والمضمون. ففي الشكل بدأ السفراء تحركاتهم بشكل منفرد، على أن يجتمعوا في الأيام المقبلة.

الجولات والزيارات التي يقومون بها هي زيارات استكشافية واستطلاعية، لكنها في المضمون ترتبط بما يتجمّع من معطيات حول عدم قدرة القوى والأطراف على مواصلة التعطيل لأن الدولة أصبحت في حال انحلال وانهيار تام، وبحال لم يتم العمل على إعادة تشكيل السلطة من خلال انتخاب رئيس للجمهورية، وتشكيل حكومة جديدة، والإقدام على سلّة تعيينات في المواقع الأساسية لا سيما قيادة الجيش، مدير عام قوى الأمن الداخلي، حاكم للمصرف المركزي وغيرها من المناصب فإن الأوضاع ستسوء أكثر لا سيما أن أزمات الكهرباء وقطاع الصحة وغيرها من القطاعات كانت أبرز دليل على الطريق التي تسلكها البلاد.

Ad

جاءت حركة السفراء على وقع ما يشبه ربط النزاع بين الولايات المتحدة من جهة وإيران من جهة أخرى وهو ما تجلى في تأجيل الردّ الإيراني على اغتيال إسماعيل هنية، وتنفيذ حزب الله لردّه المدروس جداً على استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت، وبعدها تراجعت حدة المواجهات في الجنوب بين الحزب والإسرائيليين وتراجع الكثافة النارية أيضاً، وهو ما قرأت فيه جهات دولية بأنه فرصة لفتح المسار السياسي في سبيل إنتاج تسوية في لبنان وانتخاب رئيس يساهم في التفاوض للوصول إلى وقف لإطلاق النار وترتيب الوضع الحدودي بموجب المقترحات الدولية والأميركية بالتحديد.

من حيث التوقيت، ارتبطت حركة السفراء بموعد الكلمة السنوية لرئيس مجلس النواب نبيه بري في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر، وبموعد سنوي لإطلالة لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في ذكرى شهداء القوات.

وجدد بري في كلمته مبادرته السابقة التي تدعو إلى الحوار لبضعة أيام وبعدها التوجه إلى جلسات متتالية ومفتوحة لانتخاب الرئيس، وهي المبادرة التي كانت قوبلت برفض من قوى المعارضة ولاسيما القوات اللبنانية.

قبيل كلمة بري المحددة، جاءت زيارة السفير السعودي وليد البخاري إلى عين التينة للقاء رئيس المجلس، وهو ما يندرج ضمن حركة سفراء الخماسية تحضيراً لمسار سياسي جديد غايته الوصول إلى التوافق بين اللبنانيين، على قاعدة فصل الملف الرئاسي عن مسار الحرب الدائرة في الجنوب وعلى الحرب على غزة، إضافة إلى تشديد على أن القوى الدولية والإقليمية هي قوى مساعدة في إنجاز الإستحقاق ولكن القرار والتنفيذ والتفاهم هو مسؤولية اللبنانيين.

الأسبوع المقبل يفترض أن تشهد الساحة اللبنانية المزيد من تحركات لسفراء الدول الخمس، لا سيما السفير الفرنسي، إضافة إلى تنسيق أميركي - فرنسي حصل في الأيام الماضية حول ملف لبنان، لا سيما ما بعد التمديد لولاية عمل قوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب. هو مسعى جديد يراد منه العمل على انتاج حلّ سياسي يفتح طريق الحل الدبلوماسي على الحدود الجنوبية لتجنّب التصعيد ومنع توسيع الحرب.