تتزايد ميزانية وزارة الصحة كمتوالية هندسية، ففي عام 2005 كانت ميزانيتها 361 مليون دينار، ارتفعت إلى 1643 مليوناً عام 2015، والآن تجاوزت 3000 مليون.

ورغم ذلك، لم يُقضَ على السلبيات، مثل عدم كفاءة استخدام الأسرّة، أو قدرات الأطباء في المستشفيات، أو ازدحام أقسام الطوارئ، أو رداءة بعض غرف المرضى وأماكنهم، أو إلغاء مواعيد العمليات الجراحية، أو قوائم الانتظار الطويلة للأشعات، أو غيرها من المشاكل الموروثة والمزمنة التي تؤدي إلى عدم رضا المستفيد، وذلك رغم ما يبذله العاملون من جهد. وهذا ما نسميه «متلازمة الهدر وترشيد الاستهلاك».

Ad

إن فرصة العهد الجديد سانحة، والرغبة الحكومية الحقيقية في إعادة الأمور إلى نصابها، بعيداً عن الإثارة الشعبوية والتكسبات النيابية والحكومية، والضوضاء التي عادة ما تواجه أي فكر تنموي إصلاحي. ولذلك، يجب أن يأتي برنامج عمل الحكومة في «الصحة» مختلفاً تماماً عن العام الماضي، الذي كان متحفظاً ومحدوداً، بل مجتزأً وبعيداً عن النهج الاستراتيجي السليم، ولم يتجاوز رصد ميزانية لإنشاء مستوصف ومستشفى، وعبارات عامة كالتطوير والتقليص والزيادة، دون التعرّض للتحولات الاستراتيجية في النظم الصحية العالمية والخليجية.

ولم يتطرق البرنامج إلى أي من القضايا الملحّة، مثل تضخم الباب الأول (الرواتب) وطغيان نسبة الإداريين على المهنيين في وزارة مهنية، وغيرها الكثير.

قد أجد العذر لوزارة الصحة وغيرها، فكثير من الوزراء منذ زمن بعيد يُحجم عن التفصيل في خطة وزارته أو الالتزام بأي أهداف قياسية، لكي ينأى بنفسه عن ترصّد النواب في حالة إخفاقه عن تحقيق هدفه، حتى لو كان معذوراً.

ولعلي أتشدد في النقد، ليقيني بأن برنامج عمل الحكومة محطة مفصلية لتطوير القطاع الصحي وإعادة هندسة نظامه، وسأذكر بعض الملاحظات على البرنامج:

*أولاً: لا بُد من التعامل مع الاستراتيجية على أنها مشروع تنموي يستلزم معالجة الواقع معالجة صريحة وجريئة، يكون الأساس فيها الاعتراف بمواطن الاختلالات المالية والمهنية والإدارية.

*ثانياً: يجب التعامل مع الاستراتيجية كمشروع دولة، لا مشروع وزارة، وهذا يتطلب رعاية جادة ومتواصلة من الحكومة، ودعماً جماهيرياً لها.

*ثالثاً: لا بُد أن نسلّم بصعوبة انفراد وزارة الصحة بوضع رؤية شاملة، لكون البيئة المستهدفة هي مجتمع الدولة بكل قطاعاته، والخريطة الديموغرافية للسكان. لذا، يجب أن تشمل المشاركة وزارات الإسكان، والشؤون، والبلدية، والتخطيط، وكذلك القطاعات الصحية في وزارتي النفط والدفاع، وفي الجامعة، والتأمينات. ومن الأهمية إشراك القطاع الخاص منذ البداية، مثل هيئة الاستثمار، ومستشفيات الضمان، واتحاد المستشفيات والمراكز الخاصة، والاقتصاديين، والبنوك.

*رابعاً: يجب العمل بخط موازٍ لإعداد منظومة تشريعية متكاملة، يتم من خلالها مراجعة وتنقيح التشريعات القائمة، واستحداث تشريعات تتلاءم مع الاستراتيجية المقبلة.

*خامساً: يجب أن يجيب برنامج الصحة عن عدة أسئلة محورية، أهمها التعليق على المفاهيم الحديثة للنظم الصحية التي تبنتها دول العالم ودول الخليج، هذه المفاهيم تقوم على فصل المؤسسات التي تضع وتنظم الخطط والسياسات عن المؤسسات التي تمول الخدمة، كالحكومة أو التأمين الوطني، وعن المؤسسات التي تقدم الرعاية الصحية في المستشفيات والمستوصفات، وعن المؤسسات التي تقوم بالاعتماد والمراقبة والمتابعة والتراخيص.

إن استمرار الوضع الراهن يعرّض الدولة لجملة من المخاطر، مثل استنزاف الموارد المالية وسوء الإدارة التقليدية، وعجز في استغلال الموارد البشرية وتوظيف طاقتها. وأبسط مثال على ذلك هو معدل إجراء العمليات للطبيب في التخصصات الجراحية بالكويت، الذي لا يتجاوز ثلاث عمليات شهرياً (في يناير 2005، ولا يزال كذلك)، مقارنة بـ 30 عملية للطبيب شهرياً في فرنسا، و50 شهرياً في المستشفيات الخاصة بالكويت للطبيب الواحد.

إن هيمنة السلوك البيروقراطي على الأداء الحكومي يُعد من أكبر عوائق التنمية، حيث يؤدي إلى تفشي بعض مظاهر الفساد الإداري، مثل استغلال الموظف العام منصبه لأغراض خاصة، أو تغليب المزاجية على قواعد الحق والمنطق. هذا ينتهي إلى شبكة من الإجراءات المعقّدة والعقيمة التي تجمع الخيوط في مكتب المدير أو المسؤول، (ومن الاستحالة أن يتخلى عنها)، مما يؤدي إلى تعطيل التنمية والإصلاح.

* وزير الصحة الأسبق