يمكن تلخيص أبرز الأسباب التي أدت الى تصاعد النبرة الشعبوية لأعضاء مجلس الأمة في السنوات الماضية في المحاور التالية: المحور الأول: تراجع الثقة بقدرة الحكومة على تحقيق التنمية المستدامة، مع تزايد ظهور فضائح الفساد المالي في السنوات الأخيرة، وخصوصاً فيما يتعلق بالبرامج الاستثمارية وصفقات التسلح والتحويلات غير المعلنة، ومع تراجع مؤشرات خدمات الصحة والتعليم وتردي البنى التحتية. وقد أدى الإحساس بعدم الرضا إلى تعزيز موقف التيارات الشعبوية التي تعد بتحسين الظروف المعيشية الآنية للمواطن بدلاً من انتظاره الطويل لمستقبل مجهول.

ولا بُد من الإشارة في هذا الصدد الى الدور الكبير الذي أدته وسائل التواصل كوسائط إعلام غير خاضعة لرقابة الدولة واستخدامها من قبل النخب السياسية المتصارعة في تسليط الضوء على إخفاقات الحكومة وإبرازها بشكل قد يكون مبالغ به في بعض الجوانب.

Ad

كما تجدر الإشارة الى أن التيارات الشعبوية قد أدت أيضا دورا ملموسا في تراجع الثقة بقدرة الحكومة على أداء واجباتها من خلال تدخلاتها المستمرة في مهام الجهاز التنفيذي، وخاصة فيما يتعلق بإسناد المناصب القيادية في الدولة ورسم وتنفيذ السياسات والإصلاحات الهيكلية. وبعبارة أخرى، فإن التيارات الشعبوية التي ترعرعت في ظل إخفاقات الإدارة الحكومية كانت في الوقت نفسه أحد مسببات هذا الإخفاق.

المحور الثاني: اتساع فجوة الدخل بين المواطنين وارتفاع مستويات الفقر النسبي، إذ تسببت المعدلات العالية للزيادة السكانية مع ضيق القاعدة الإنتاجية ومحدودية مصادر الإيرادات العامة في تزايد الفقر النسبي واتساع فجوة الدخل بين المواطنين. وبشكل عام، لم تقدم الحكومة مبادرات جادة وشاملة لتخفيف حدة الفقر والنهوض بمستوى المناطق ومعيشة الأفراد الأقل دخلا، وفي ظل هذا الفراغ التشريعي، اتجهت التطلعات الى التيارات الشعبوية التي دأبت في معظم الأحيان على طرح مبادرات فردية ومطالبات بزيادة الرواتب وإسقاط القروض ورفع قيمة الإعانات الاجتماعية والدعومات.

المحور الثالث: غياب الأحزاب السياسية وتبنّي الصوت الواحد، يسهم وجود الأحزاب السياسية عادة في إضعاف الحركات الشعبوية، من خلال تعزيز مبدأ الشفافية والمساءلة في العمل السياسي من قبل الناخبين، ويمهد السبيل أمام وضع تشريعات مسؤولة وذات آثار تنموية طويلة الأجل. وفي الكويت صاحب غياب الأحزاب السياسية هيمنة المصالح الشخصية أو الفئوية لبعض أعضاء البرلمان، حيث بات التلويح بتبنّي المطالب الشعبوية، أو استخدام أدوات الاستجواب وسيلة للضغط على الحكومة من أجل تلبية المطالب الخاصة. وإضافة الى غياب الأحزاب السياسية، ساهم التحول الى نظام الصوت الواحد، وما ترتب عليه من حصر خيارات كل ناخب بمرشح واحد، الى غلبة كفة النواب ذوي التوجهات الشعبوية الذين كان كثيرون منهم يأملون في أن يسهم اختيارهم في دفع الحكومة إلى تحسين الظروف المعيشية للمواطن.

مما تقدم يتضح أن تحييد النزعة الشعبوية على المدى البعيد يرتبط بقدرة الحكومة على تطوير أدائها ومعالجة التحديات الاقتصادية والاجتماعية وإعادة صياغة النظام البرلماني بصورة تفسح المجال لانتخاب نواب أكثر شعورا بالمسؤولية ووعيا تجاه دورهم في بناء الوطن، أما ما ينبغي فعله على المدى القريب، فهو موضوع الحلقة المقبلة من هذه المقالة.

*خبير اقتصادي