على مدار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، كانت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن متردّدة في ممارسة ضغوط جدية على تل أبيب للحد من عملياتها الأكثر تدميراً، والسعي إلى إنهاء الصراع.

وتقف عدة أسباب وراء تردد بايدن، أحدها التشكيك بإمكانية تحقيق أي شيء ملموس من خلال الضغط على حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتغيير مساره.

Ad

ويرى بعض المحللين أنّ الولايات المتحدة لا تملك النفوذ الكافي لتغيير سلوك الحكومة الإسرائيلية جذرياً، وأنّ تحدي إسرائيل ربما يأتي بنتائج عكسية.

وهذه التصورات يبدو أنها تحمل ثقلاً بين كبار صنّاع القرار في الولايات المتحدة، ففي وقت سابق من هذا الصيف، حذّر كبير مستشاري بايدن ومبعوثه إلى بيروت، آموس هوكشتاين، الساسة اللبنانيين من أنّ واشنطن تفتقد للقوة اللازمة للضغط على إسرائيل.

وعلى نحو مماثل، قال دينيس روس، الدبلوماسي الأميركي المعروف ومفاوض الشرق الأوسط، في أواخر العام الماضي: «التاريخ يُظهر أنّه إذا اعتقد الناخبون الإسرائيليون أن الولايات المتحدة تطرح مطالب غير معقولة، فإنهم سيرفضونها، بغض النظر عن التكاليف»، وقد يرجع ذلك جزئياً إلى ادعاءات المسؤولين الإسرائيليين كتلك التي أكد فيها وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش مراراً بأن أي ضغط أميركي لإنهاء الحرب يحفز الإسرائيليين على مواصلة القتال.

لكن هذا هو مجرد افتراض، ولاختباره، أجرينا في شهر مايو، استطلاعاً فريداً للرأي العام الإسرائيلي حول الحرب، لفهم كيفية رد فعل الإسرائيليين على تصريحات الدعم غير المشروط من الحكومة الأميركية مقارنة بالضغط الأميركي لتغيير الاستراتيجية الإسرائيلية في غزة.

وأظهرت النتائج أنّ الاعتقاد بأنّ واشنطن تفتقد إلى النفوذ، خاطئ، وأنه من المرجح أن تتمكن من الضغط على الإسرائيليين للتحرك نحو تسوية سلمية، وإنهاء الحرب في غزة من دون إثارة ردود فعل عنيفة.

وإذا كانت إدارة بايدن، أو ربما خليفتها على الأرجح، ستمارس ضغوطاً حقيقية على إسرائيل، مثل وضع شروط لتصدير الأسلحة الهجومية إليها من أجل التوصل إلى اتفاق، فمن المرجح أن يؤدي ذلك إلى تقويض الدعم العام الإسرائيلي للحرب وتسريع نهايتها.

في موازاة ذلك، أظهرت استطلاعات الرأي العام الأخيرة باستمرار أن أغلبية الإسرائيليين تؤيد اتفاق وقف إطلاق النار للإفراج عن جميع الأسرى مقابل إنهاء إسرائيل الحرب والانسحاب الكامل من غزة، وحتى أغسطس الماضي، أعرب 63% من الإسرائيليين عن تأييدهم لمثل هذه التسوية، مقارنةً بـ 56% في يونيو.

ولنفهم بشكل أفضل كيف يستجيب الإسرائيليون لمواقف الولايات المتحدة، نشرنا بين 7 و12 مايو الماضي، استطلاع رأي عبر الإنترنت يتكوّن من نحو 20 سؤالاً على عينة من 1238 بالغاً يمثّلون عموم الإسرائيليين، وتم استطلاع آراء المشاركين بعد أيام قليلة من انتشار أخبار تفيد بأن واشنطن فرضت أول حظر لها منذ سنوات على شحنة أسلحة إلى إسرائيل لمحاولة منع الغزو الإسرائيلي لرفح.

وتضمّن استطلاعنا اختباراً للرسائل مصمّماً بعناية لمعرفة كيفية استجابة الإسرائيليين لموقف الولايات المتحدة، وكانت النتائج مذهلة، إذ وجدنا أن معرفة هؤلاء أنّ واشنطن مستعدة لممارسة ضغوط حقيقية على تل أبيب لإنهاء الحرب لم تغير آراءهم نحو الولايات المتحدة إلى سلبية.

وبمعنى آخر، تقوّض هذه النتائج المخاوف من أنّ الضغط الأميركي من شأنه أن يقلل من دعم الإسرائيليين لوقف إطلاق النار، أو يضر بشكل كبير بوجهات نظرهم تجاه أميركا. وباختصار، سموتريتش مخطئ: لا يوجد دليل على أن الضغط من شأنه أن يأتي بنتائج عكسية.

وبقدر ما يصر نتنياهو نفسه على الحرب فقد أظهر أيضاً أنّه حسّاس للضغوط التي تمارسها الإدارة الأميركية في المناسبات النادرة التي يتم فيها تطبيقها.

وعلى سبيل المثال، بعد دعوة واضحة من بايدن في أبريل، التي ورد أنّه طلب فيها من نتنياهو إجراء تغييرات جادة على سلوك إسرائيل في الحرب، فقد زادت الأخيرة بشكل كبير من عدد الشاحنات التي تنقل المساعدات الإنسانية إلى غزة.

ولعل هذا هو السبب وراء إصدار نتنياهو نفسه - إلى جانب الوزراء الإسرائيليين على يمينه - مثل هذه التحذيرات المروّعة حول ما سيحدث إذا ضغطت الولايات المتحدة على «إسرائيل» لإنهاء الحرب. إذ إنهم يدركون قوة السياسة الأميركية في تشكيل المشهد السياسي الإسرائيلي.