في خطوة تظهر أن الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان يرغب في إرسال إشارات إيجابية إلى الغرب، خصوصاً أن حكومته بدأت اتصالات مع واشنطن ودول أوروبية لاستئناف المفاوضات حول الملف النووي وغيره من الملفات الخلافية، علمت «الجريدة» من مصدر في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، أن بزشكيان الذي تولى السلطة نهاية يوليو الماضي، أوقف قبل ساعات قليلة من انطلاقها عملية لإرسال قوات خاصة تابعة لـ «الحرس الثوري» إلى روسيا.

وأوضح المصدر أن الروس كانوا قد طلبوا من «الحرس» إرسال قوات متخصصة في حرب الشوارع والمدن لمساعدة روسيا في طرد القوات الأوكرانية التي توغلت في منطقة كورسك الروسية، وبالفعل شكّل «الحرس» قوة تضم نحو ألف مقاتل لإيفادهم إلى روسيا بشرط استخدامهم في مهام لوجستية داعمة للقوات الروسية، لا عمليات هجومية مباشرة.

Ad

وبعد أن علم بزشكيان بهذا الأمر، طلب عقد اجتماع طارئ للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني مساء أمس الأول، قبيل مقابلته على التلفزيون الإيراني الرسمي، وفق ما أبلغ المصدر «الجريدة»، مضيفاً أنه تقرر خلال الاجتماع منع إرسال أي قوات إيرانية للمشاركة في الحرب الروسية ـ الـوكرانية، دون قرار واضح من المجلس، أو أوامر مباشرة من المرشد الأعلى علي خامنئي.

وجاءت خطوة بزشكيان، بعد أن نفت إيران الأسبوع الماضي وجود مستشارين عسكريين إيرانيين على الأراضي الأوكرانية، رداً على إعلان المدعي العام الأوكراني أندريه كوستين فتح قضية جنائية ضد العميد في الحرس الثوري عباس موسوي شريفي مولى ساري، بتهمة المشاركة في الحرب إلى جانب روسيا وارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين الأوكرانيين.

ولفت المصدر إلى أن المجلس الأعلى للأمن القومي كان اتخذ قراراً سابقاً يمنع «الحرس» من إرسال أي قوات إلى مناطق تعتبر حسب القانون الدولية أراضي أوكرانية سواء شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا من جانب واحد في 2014 أو ما يعرف بـ «المناطق الأربع» في جنوب وشرق أوكرانيا التي أعلنت موسكو ضمها بعد غزوها الشامل في فبراير 2022، لكن «الحرس الثوري» تذرع هذه المرة بأن قواته سوف تساعد روسيا في طرد القوات الأوكرانية من كورسك، وهي منطقة روسية «خالصة» تقع ضمن حدود روسيا المعترف بها دولياً.

ويؤكد المصدر أن بزشكيان نجح في إقناع خامنئي بأن إرسال قوات إلى روسيا الآن يهدد بإفشال جهود حكومته لاستئناف المفاوضات مع الغرب، مضيفاً أن الرئيس الإيراني كان يطمح إلى قرار بسحب كل المستشارين العسكريين الإيرانيين الموجودين بالفعل في روسيا، لكن اقتراحه واجه معارضة داخل مجلس الأمن القومي، من جانب مندوبي «الحرس» وشخصيات أخرى تفضل اعتماد الحذر لعدم إلحاق ضرر لا يمكن إصلاحه مع موسكو، والاكتفاء ببعث رسالة على أمل أن يتلقفها الطرفان المعنيان: الغرب وموسكو.

وكشف المصدر أن بزشكيان المعروف بحماسته لقوميته الآذرية أثار خلال الاجتماع إعلان روسيا، خلال الزيارة الأخيرة للرئيس فلاديمير بوتين إلى باكو، موافقتها على إنشاء «ممر زنكزور» عبر آذربيجان وأرمينيا وتركيا، الأمرالذي يعزل الحدود الأرمينية ـ الإيرانية، معتبراً أن موسكو وجهت بذلك ضربة للعلاقات الإيرانية ـ الروسية، وفضلت التعاون مع باكو وأنقرة، على احترام ودعم مصالح إيران.

كما ذكّر الرئيس الإيراني بتوقيع روسيا وكذلك الصين على بيانات مع دول مجلس التعاون الخليجي تدعو إيران للحوار في قضية الجزر الثلاث في الخليج المتنازع عليها مع الإمارات، وذلك رغم رفض طهران للحوار والإقرار بوجود نزاع.

وبحسب المصدر، قال بزشكيان إنه يرفض تجاهل تصرفات من هذا النوع، ولا بد من إعادة صياغة العلاقات مع موسكو وبكين على أساس الاحترام المتبادل للمصالح.

وكان وزير الخارجية الإيراني الجديد عباس عراقجي شدد على أن تعزيز وتمتين العلاقات مع روسيا والصين يحتل مرتبة متقدمة على أجندة السياسة الخارجية لحكومة بزشكيان، إلا أن اتصالات جرت بين أطراف إيرانية مقربة من بزشكيان وواشنطن قبل الانتخابات كانت «الجريدة» كشفت عنها، أظهرت أن الرئيس الإيراني مستعد لخفض التعاون مع موسكو وبكين في حال جرى إصلاح العلاقات مع الغرب على قاعدة «إعادة التوازن» إلى سياسة إيران الخارجية وفق مبدأ «لا شرق ولا غرب» الذي أطلقه مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران روح الله الخميني.

من ناحية أخرى، قد تكون خطوة بزشكيان مرتبطة بعوامل أخرى. فقد أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمس، أن الأخير أوفد مستشاره العسكري إلى روسيا في الأيام الماضية لبحث مفاوضات وقف إطلاق النار، وتبادل الإفراج عن الرهائن والأسرى في غزة، إلا أن مسؤولاً إسرائيلياً أكد لباراك رافيد مراسل موقعي أكسيوس الأميركي و»اللاه» الإسرائيلي، أن مهمة مستشار نتنياهو المقدم رومان غوفمان الذي عاد إلى القدس كانت تتعلق بإيران و»حزب الله» لا بملف المحتجزين. وفي وقت سابق كشفت «الجريدة» أن روسيا طالبت إيران بعدم استخدام أسلحتها في حال قررت إيران مهاجمة إسرائيل رداً على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران نهاية يوليو الماضي.