شهدت ألمانيا ما وصفته وسائل الإعلام المحلية بـ «زلزال سياسي» في شرق البلاد، بعد أن حقق حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف نتائج غير مسبوقة في انتخابات محلية بولايتي تورينغن وساكسونيا، وهما مقاطعتان من مقاطعات ألمانيا الديموقراطية (الشرقية) السابقة. وجاءت هذه النتائج بمنزلة ضربة قوية للتحالف الحاكم الذي يقوده المستشار أولاف شولتس، ويمثّل تحالف يسار الوسط، قبل عام واحد فقط من الانتخابات البرلمانية الفدرالية المقررة في سبتمبر 2025.
«البديل» في المقدمة
برز حزب البديل من أجل ألمانيا (AFD) كأقوى قوة سياسية في تورينغن التي كانت أول مقاطعة يصل فيها النازيون إلى الحكم عام 1932، بحصوله على 32.8 بالمئة من الأصوات، بينما حلّ بالمرتبة الثانية بفارق بسيط في ساكسونيا بنسبة 30.6 بالمئة. وعلى الرغم من هذه المكاسب الكبيرة، لا يزال الحزب يواجه تحديات في تشكيل أي حكومة، حيث أعلنت الأحزاب الرئيسية عدم تعاونها معه بسبب مواقفه المتطرفة. وقال الرئيس المشارك للحزب تينو كروبالا: «لن تكون هناك سياسة من دون حزب البديل من أجل ألمانيا»، مما يعكس موقف الحزب في السعي للحصول على نفوذ سياسي أكبر.
وحلّ حزب الاتحاد المسيحي الديموقراطي (يمين الوسط) المعارض الأكبر على المستوى الوطني بالمركز الثاني في تورينغن وفي المرتبة الأولى في ساكسونيا بحصوله على 31.9 بالمئة.
«تحالف سارة»
إضافة إلى «البديل»، شهدت الانتخابات ظهور حزب جديد يُعرف بـ «تحالف سارة فاغنكنشت» (BSW)، وهو حزب شعبوي يجمع بين مواقف يسارية راديكالية وأخرى يمينية فيما يتعلق بقضايا مثل الهجرة والسياسات الخارجية. وحصل الحزب على 15.8 بالمئة من الأصوات في تورينغن و11.8 بالمئة في ساكسونيا، مما يجعله ثالث أكبر قوة سياسية في الولايتين.
وأصر «تحالف سارة» على أن يقبل أي شريك في الائتلاف موقفه من أوكرانيا، الذي يدعو إلى إنهاء المساعدة الألمانية لكييف ودعم مفاوضات سريعة لإنهاء الحرب.
أما حزب ديلنكه (اليسار)، وريث الحزب الشيوعي الذي كان يحكم سرق البلاد، فحصل على حوالي 13.1 بالمئة في تورينغن، حيث يتولى زعيمه الحالي، بودو راميلو، منصب رئيس الوزراء، وعلى 4.5 بالمئة فقط في ساكسونيا.
مرارة الاشتراكيين
تمثّل هذه النتائج تحدياً كبيراً للأحزاب الثلاثة المكونة للائتلاف الحاكم في برلين (الاشتراكيون الديموقراطيون والخضر والليبراليون). فقد سجّل الحزب الاشتراكي الديموقراطي بزعامة أولاف شولتس أسوأ نتيجة له بانتخابات إقليمية في تورينغن بحصوله على 6.1 بالمئة فقط من الأصوات، بينما حصل على 7.3 بالمئة في ساكسونيا.
وتعكس هذه النتائج استياءً واسع النطاق من السياسات الحالية للحكومة، بما في ذلك التضخم والتحول البيئي المدفوع من حزب الخضر.
وقالت أستاذة العلوم السياسية في جامعة دريسدن التقنية، ماريان كنيوير: «هذه صفعة كبيرة جدا للحكومة ككل ولشولتس خصوصًا»، مشيرة إلى أن التحديات المقبلة قد تكون أكبر إذا لم يتمكن شولتس من استعادة الثقة. ورغم ذلك، دافع الحزب الاشتراكي الديموقراطي عن استقرار الحكومة، وقالت رئيسته، زاسكيا إسكن، أمس، إن الائتلاف الحكومي «لديه الكثير من المهام» التي لم تكتمل، معربة عن الثقة بقدرة الأحزاب الثلاثة على مواصلة التعاون والعمل في حكومة مستقرة.
وأقرت إسكن في الوقت ذاته بأن انتخابات الولايتين شكلت بالنسبة لأحزاب الائتلاف «نتيجة مرة»، مشيرة إلى أن السياسة الخارجية والهجرة واللجوء كانت الملفات الانتخابية التي حسمت هذه الانتخابات.
العزل استراتيجية خطيرة
وسط هذه الأوضاع، دعا شولتس الأحزاب الديموقراطية الرئيسية إلى تشكيل حكومات مستقرة في تورينغن وساكسونيا من دون إشراك «البديل». في ظل النتائج الجديدة، صرّح ميشائيل كريتشمر، رئيس حكومة ولاية ساكسونيا وزعيم الحزب المسيحي الديموقراطي، بأنه لا يستبعد تشكيل ائتلاف حاكم مع «تحالف سارة فاغنكنشت»، رغم التحديات الأيديولوجية الكبيرة. وقال كريتشمر: «لن يكون الأمر سهلاً، سيستغرق وقتاً، لكنه ممكن»، مشيراً إلى أنه ستكون هناك شهور من المحادثات الائتلافية الصعبة في المستقبل.
ويتخوف مراقبون من أن يؤدي عزل «البديل» وحرمانه من المشاركة السياسية إلى نتائج غير مقصودة، بما في ذلك جذب المزيد من الناخبين إلى صفوفه. ويمكن أن يعزز هذا التصور من خطاب الحزب المعادي للمؤسسة، مما يزيد من جاذبيته للناخبين الذين يشعرون بالتهميش أو يعتقدون أن أصواتهم لا تجد آذاناً صاغية من الأحزاب التقليدية.
وأكدت الرئيسة المشاركة للحزب، أليس فايدل، أن «هذا الجدار العازل المناهض للديموقراطية لا يمكن أن يدوم طويلاً»، مشددة على أن «الناخب قال رأيه بصراحة ويرغب بمشاركة البديل من أجل ألمانيا في الحكومة».