هيدووه (2)

نشر في 04-09-2024
آخر تحديث 03-09-2024 | 18:04
مشاكل الكرة الكويتية، والتي تختص بتطويرها، تبدأ وتنتهي من الداخل الكويتي والحاجة إلى عالم احترافي جديد ينتشلها من واقع أكل عليه الزمان وشرب، وهذا هو الأمر الذي يجب التركيز عليه في الأيام المقبلة.
 د. سلطان ماجد السالم

سبق أن تحدثنا منذ أكثر من عام ونيف في مقال بعنوان «هيدووه» عن حال الرياضة في الكويت، وبالتحديد كرة القدم، وكيف لهذه الرياضة أن تمتلك من سحر يسلب الألباب ويمنح الشعوب حالة من الارتياح والشعور بالرضا والفخر إزاء بلدانهم.

كما أن لرياضة كرة القدم من السحر الكبير على الجماهير ما جعل منها صناعة محكومة بعالم المال والأعمال تستطيع أن تحقق من الأرباح الشيء الكبير، وهي تلك الرياضة التي حُرم منها المتابع الكويتي في السنوات الأخيرة لجهة الشعور بالرضا والفخر والاعتزاز بإنجازات بلاده على مستوى المحافل الدولية.

ففي نهاية المطاف، كشخصي أنا سلطان، لا أكترث بالصراعات ولا النزاعات التي تدور في عالم الكرة المحلية، ولكن أطمح إلى أن أرى بلادي تحقق تلك الإنجازات التي لطالما كانت أمرا يسيرا عليها على صعيد منتخب كرة القدم.

وها نحن لا نزال ننتظر تطوّر فريق الكرة، الذي أصبح الآن قاب قوسين أو أدنى من تصفيات كأس العالم 2026 (لقارة آسيا)، وإذا به يدخل في صراع ونزاع لا داعي له، ولكن على المستوى الأممي، فيما يتصل بدخول وخروج جماهير العراق لتشجيع منتخب بلادهم على الأراضي الكويتية، وسط تصريحات من الطرفين، الكويتي والعراقي، فيما يخص الموضوع ذاته.

مبدئيا، دعونا لا نزيف الحقائق ولا نبتعد عن الحقيقة، فلا تزال دولة الكويت تعاني إلى يومنا هذا جرح العراق وغزوه وآثاره، وفي كل بيت كويتي هناك إمّا ذكرى لشهيد نحتسبه في جنان الخلد، أو ذكرى لمفقود أو من تم أسره إبان فترة الغزو العراقي.

فذاك أمر لن يُنسى بتاتا، جيلاً بعد جيل، وهو ليس بالأمر الهيّن علينا جميعا، لكن هذه هي سياسة الدول ومصالحها العليا التي علينا أن نحترمها، فحين ارتأت دولة الكويت عودة العلاقات بين الجارين، بل ومساعدة العراق ومساندته في إعادة إعماره، بعد أحداث سنة 2003 وتحرير العراق من براثن «البعث»، أصبح واجبا علينا التعايش مع الجار العراقي في نظرة تطلُّع للمستقبل والتسامي للمصلحة الوطنية قبل كل شيء. وهذا بالطبع من دون التطرق إلى واقع علاقة المجتمعين ببعضهما البعض والعلاقات القديمة التي تربطهما مع بعض منذ الأزل، فالسياسة الدولية تلقي بظلالها على كل ما هو جميل بين الشعوب.

وعليه، نجد أن مواقف الدولتين على المستوى الشعبي أمر جد حساس، خصوصا حين نضع عليها صبغة وحساسية تشجيع كرة القدم، ومن بعد تصريحات الاتحاد الكويتي بالسماح بدخول 200 مشجع فقط، وتصريح محافظ عراقي بالمعاملة بالمثل، يصبح الموضوع على الصعيد الكروي والسياسي أمراً حساساً جداً، ومتوتراً أيضا.

لكن يبقى السؤال ها هنا: هل تملك الكويت رفاهية إغلاق الحدود في وجه المشجعين العراقيين بعد نحو أسبوع من اليوم؟!

الجواب، بطبيعة الحال، هو نعم، وهذا حق سيادي للدولة، من دون الحاجة إلى الرجوع للأسباب الأمنية أو غيرها، ولكن تبعات هذا القرار أمر أيضا وجب أن ننتبه له في الكويت على مستوى ملف كرة القدم، لأن قوانين «الفيفا» تشترط حصة أعتقد أنها 8 في المئة من سعة الملاعب للجماهير الرياضية الزائرة، وهو حق لها، ولا تحتاج الكويت الى نقاط سوداء أخرى في ملفها الكروي على صعيد «الفيفا» أيضا، وخرق مثل هذه القوانين ليس بالأمر السليم، وليس من الحصافة أيضا.

وعليه، فإن رفاهية إغلاق الحدود في وجه المشجعين العراقيين له من التبعات ما له أيضا، ومن الضرر المباشر على الدولة على الصعيد الكروي.

إذاً فما الحل وقد أصبح الأمر الآن ما بين تصريحات إعلامية تقر بصحة موضوع دخول عدد من المشجعين وأخبار تنفي المسألة، وبغضّ النظر، ما الحل في مثل هذه المواقف مستقبلا كذلك؟!

وبغضّ النظر عن هذه المباراة أو تلك، فللدولة الحق في التحفظ عن بعض الأسماء من الجماهير، وهذا أيضا أمر معمول به، وبالتعاون مع السلطات الأمنية، يمكن وضع قائمة محددة الأسماء كذلك، وعليه منعها من دخول الأراضي الكويتية مستقبلاً.

كما أنه يمكن لنا أن نسمح - بتنظيم كويتي خالص - بدخول جماهير بالسعة المطلوبة دوليا، مع تنظيم لوجيستي خاص لها قبل المباراة وبعدها، بحيث لا يسمح بمكوثها على الأراضي الكويتية إلا باشتراطات خاصة، مع وضع بصمة وقواعد بيانات خاصة لهذا الأمر، فهذا ليس بالشأن المعقّد ولا الصعب على سلطاتنا الأمنية في الكويت.

وحين تتحقق هذه المعادلة، لن نكترث مستقبلاً لمثل هذه الأمور بتاتا ولا لمثل هذه الظروف الكروية، التي قد تتكرر في قادم الأيام على صعيد رياضات مختلفة كذلك.

مشاكل الكرة الكويتية، والتي تختص بتطويرها، تبدأ وتنتهي من الداخل الكويتي والحاجة إلى عالم احترافي جديد ينتشلها من واقع أكل عليه الزمان وشرب. هذا هو الأمر الذي يجب التركيز عليه في الأيام المقبلة، وبقية الأمور لا يمكن إلا أن تزيدنا خبرة في مواجهة تحديات الغد بإذنه تعالى.

back to top